في مخيّم للشبيبة، تجمّع حوالي أربعون شابًّا وشابّةً، فسألهم المرشد: “من منكم عُرض عليه مخدرات ولو لمرّة واحدة في حياته؟” فكان الجواب صدمة كبيرة! أكثر من ثلاثين منهم رفعوا أيديهم مؤكّدين أن ذلك حصل معهم. مخيف هذا الجواب ومرعبة هذه النسبة. فأيّة تجربة يتعرض لها أولادنا؟!
وبينما نسمع الكثير عن أنواع المخدّرات، ومضارها، وتأثيرها واختبارات المدمنين في البرامج التلفزيونيّة. إلاّ أنّه من الأجدى لنا لو استطعنا أن نحمي أولادنا من المخدرات قبل وقوعهم في شراكها. لذا من الحكمة أن نستعرض بعض الأمور لتُساعدنا أن نتنبّه لخطر المخدرات باكرًا وذلك لتجنيب أولادنا هذه التّجربة المرّة. وإن حلّت هذه المصيبة عند أحد أولادنا – لا سمح الله – وجب اللجوء فورًا الى طبيب متخصّص ليُعالج الأمر بالطرق العلميّة اللازمة.
ما هي المؤشّرات التي تدلّ على تعاطي الولد للمخدرات؟
لقد أجمعت معظم المصادر والدراسات الطبيّة والعلميّة على ظهور بعض من هذه المؤشرات والدلائل (أو جميعها) في حياة من تورّط في المخدرات. من الدلائل للتورّط في المخدرات:
§ التلكؤ والتكاسل في الذهاب الى المدرسة.
§ التراجع في العلامات.
§ مشاكل سلوكيّة في المدرسة أو الجامعة، ومع الناس، وكثرة مشاجرات في البيت مع أفراد العائلة.
§ الابتعاد عن أصدقاء قدامى والإلتصاق بآخرين.
§ تغيّرات مفاجئة في المزاج والشخصيّة: حدّة طبع، تعصيب، شكوك بالآخرين، إنزواء…
§ عدم المبالاة وفقدان الإهتمام بالكثير من الأمور رغم أهميّتها.
§ كثرة نسيانه للأمور وعدم قدرة على التّركيز كما يجب.
§ ازدياد التكتّم والسّريّة في حياته والابتعاد عن افراد العائلة.
§ مظهر مُهمَل أو متراخٍ. مشية بطيئة أو متعثرة.
§ كسل وارتخاء غير مبرّرين أو نشاط زائد وكثرة كلام.
§ احمرار أو جحوظ في العينين. نظرة فارغة، أو تغيّر في شكل البؤبؤ.
§ تعرق اليدين، وبرودتها، ورجفانها. دوخة أو تقيؤ…
§ تغيّر في عادات الأكل سواء خسارة في الوزن أو ازدياده.
§ اضطراب في النوم.
§ تغيّر في رائحة النّفس، أو الجسد أو الثّياب.
§ وجود أي اثر لوخز إبر في الذراع، الرجل أو أسفل القدم (حسب نوع المخدر).
§ حوادث سير متكررة.
§ حاجة متزايدة للمال.
وجود إحدى هذه العوارض لا يعني بالتّأكيد أنّ الولد يتعاطى المخدّرات كما أن عدم وجودها كلّها لا يعني عدمه. يُحتمل إظهار نفس هذه العوارض عند تعرّض ولدك لضغوطات أخرى، أو اضطرابات نفسيّة. في كلّ الأحوال ولدك يحتاجك ويدعوك للتحرّك الآن. تحرّك فورًا!!
كلمة السر هنا أو المفتاح هو “التّغيير”. فأي تغيير حادّ في مظهره، وشخصيّته، وتصرفاته أو مواقفه هو إنذار للأهل.
لماذا يتعاطى الاولاد المخدرات رغم كلّ التحذيرات؟
معظم حالات التورّط بالمخدرات تبدأ بسن المراهقة. فالمراهق يحبّ المغامرات. لذا فقد يجرّب كلّ ما هو ممنوع. يبدأ الأمر أوّلاً مجرّد حشريّة. لكنّ المخدّرات تعطيه شعورا باللذّة والسّعادة ولو كان وقتيّا ووهميّا وتمنحه مادةً للتّباهي والمزايدة على أصدقائه ممّا يدفعه لتكرار التجربة دون تقدير للعواقب اللاحقة.
يظنّ، في البداية، أنّ كلّ ما كان يقال له من أهله غير صحيح. خاصّة أنّه عادة ما يبدأ بأنواع خفيفة (نسبيًّا) كالحشيشة والماريجوانا ويظنّ أنه يستطيع أن يتوقّف ساعة يشاء فيتشجّع. ومع الوقت لا تعود تكفيه فيطلب الأقوى.
وهناك دافع التمرّد والعصيان الّذي يجرّ المراهق للمخدرات. فلمجرد أنّ الأهل والكبار يرفضون الأمر وينهون عنه، يلجأ إليه المراهق حبًّا بالمعاكسة وإثباتًا لحريّته الشخصيّة. ولا نستخفّ بضغط الأصحاب والمحيط. إنّ فترة المراهقة هي فترة الاضطرابات العاطفيّة. فالطفولة انتهت، والقوانين اختلفت، وحالة التأقلم صعبة مع كلّ التغيّرات الجسديّة والهرمونيّة والرغبات الجنسيّة والشعور بعدم الأمان. فينصاع لتحدّي أصدقائه لإثبات انتمائه للمجموعة والشّعور بالقبول.
كذلك يلجأ البعض للمخدرات بدافع الهروب. فالمخدر يصبح كالمسكّن لأيّ ألم سواء كان ذلك الألم مرضًا أو علاقة غراميّة فاشلة أو ضيق مادّي وحرمان، أو وضع منزلي سيّء، أو ملل شديد وفراغ عاطفيّ، او أيّ أمر مؤلم يصعب عليه مواجهته. لذا يشدّد على أهميّة دور الأهل وخاصةً لجهة تواجدهم في البيت مع الأولاد. فالبيت الفارغ، والولد المتروك كثيرًا وحده هو الأكثر عرضة.
ما المطلوب إذًا وماذا بامكاني أن أفعل لولدي؟
ü لا تقل “ابني لا يفعل هذا”. هذه أبشع مقولة تقنع نفسك بها. فما من أحد محميّ 100% لذا لا تستخفّ ولا تعتبر الأمر مبتوتًا وغير واردٍ.
ü توقف عند كلّ إشارة. قد لا يكون ابنك يتعاطى المخدّرات حتى ولو ظهرت عليه بعض الإشارات لكن يجب أن تتأكّد. لا تتعامى عن أيّة إشارة.
ü إعرف كل شيء عن أولادك. ماذا يفعلون في أوقاتهم. أين يتواجدون ومع من. تحقّق من صدق هذه المعلومات بطريقة ذكيّة. إنتبه من المعاشرات الرديئة.
ü كن موجودًا دائمًا عندما يحتاجك أولادك. إجعل الصّداقة والحوار أساسًا في علاقتك بأولادك حتى يعتادوا مشاركتك بأخبارهم. وأظهر لهم اهتمامًا خاصًّا بأمورهم وشاركهم بنشاطاتهم وهواياتهم.
ü عالج كلّ مشكلة يتعرّض لها ولدك ولا تتركه يتخبّط بأزماته. احترم همومه ولو بدت لك تافهة .
ü كلمة خاصّة للأم: إياكِ وإياكِ أن يكون تقدّمكِ في العمل على حساب الأولاد. إحسبي أولويّاتك جيدًا. البيت الفارغ يسبّب أزمات حادّة للأولاد. الوقت الذي يكون فيه الأولاد وحدهم بعد رجوعهم من المدرسة خطر جدًّا خاصّة في عمر المراهقة.
ü اشغل أولادك بنشاطات إضافيّة وهوايات نافعة واملأ أوقات فراغهم بأشياءٍ بنّاءة.
ü الله أوجد العائلة لتكون الحصن المنيع الدافىء للولد. فلا تستهن بإهميّة البيت السليم والمتين.
ü إشرح له بالتفصيل عن المخدرات باكرًا، كيف تبدأ وكيف تنتهي. استخدم العلم لتريه تأثيرها على الدماغ. حتى الصغار حذّرهم من أخذ أيّ شيء من أيّ شخص غريب.
ü كن القدوة لهم في كلّ شيء، والمثل الأعلى في عيونهم. ابتعد عن التدخين والمشروب وعلّمهم مساوءها. فالدراسات العلميّة والاحصاءات تؤكّد أنّ الأولاد المدخّنين والذين يشربون الكحول هم الأكثر عرضة لتجربة المخدرات.
ü تبنَّ مبادىء وقِيَمًا عالية. ابنِ بيتك على تعاليم ومبادىء الكتاب المقدس. كلّ وصايا الكتاب المقدس هي لخيرك. لذا تربح نفسك وعائلتك إن أنت بنيت بيتك على الأساس الصالح والصلب والمتين ألا وهو أساس المسيح.
في خلاصة الأمر، التربية مسؤوليّة كبيرة وعلى الأهل قبول التحدّي. واعرف أنّه مهما فعلنا يبقى هناك الكثير من الأمور التي تفوق معرفتنا أو قدراتنا. وإن حصل ووقع ولدك في ورطة المخدرات تذكّر دائمًا أنّ الله بجانبك. فستجد أنّه يُقوّيك ويُعطيك نعمة لتُرافقه وقوّة لتنقذه من أزمته. المهمّ أن تطلب معونته.