يقول الفيلسوف الصّيني لاو تسو: “الذين يعرفون لا يتنبّأون؛ والذين يتنبّأون لا يعرفون”.
لا شك أنّ الإنسان يعيش في دوّامة من الخوف والقلق، يطلب معرفة ولو من الغيم في السّماء، وكان العرّافون اللاتين القدماء يقرأون الطّالع في أحشاء الطيور وحيوانات أخرى ليعرفوا ماذا يخفي المستقبل.
وفي مطلع كلّ عام، ترهق التّلفزيونات والفضائيّات مسامع الناس بأقوال العرّافين والبصّارين، كلام وجدانيّ في ظاهره، مُخادِع في باطنه؛ مأخوذ من بعد ميتافيزيقيّ وَهْميّ مُستقبليّ؛ وكأن العرّاف يضرب في المندل أو يقرأ الطّالع في بلّورة غجريّة فيها أسرار الدّنيا والآخرة، مدّعيًا أنّه يتواصل مع عالم الأرواح وملوك الجان الذين ينقلون إليه ما سوف يجري في المستقبل. إضافةً إلى كلّ ذلك، ذكرت مؤخرًا وسائل إعلاميّة غربيّة أمورًا بالغة التّعقيد حول حلقة من حلقات مسلسل عائلة سيمبسون الكرتونيّة والنّبؤات الخطيرة التي تناولتها هذه الحلقة مما أدّى إلى حجبها عن العرض ومُنِعَت عن المشاهدين.
ولكن أين تكمن الخطورة في كل ذلك؟
الخطر الأكبر هو في تلقُّف الميديا لهذه الأخبار التي تُسَبّب التّوتّر والقلق وتبثّ الرّعب في قلوب الناس، وتقوم باستعمالها من أجل السّيطرة على المجتمعات البشريّة من أجل غاياتٍ وأهدافٍ معيّنةٍ تخدم سياسة من يتحكّم بزمام هذه الوسائل الإعلاميّة!
اليوم، وبواسطة تكنولوجيا الإتّصالات والذّكاء الاصطناعيّ، صار من السّهل خلق أفلام تُظهِر بعض الشخصيّات وهي تُصَرّح بأمور كاذبة، أو تُقَدِّم أطروحاتٍ مضلّلةً يُراد بها تحويل الأفكار التي كانت مُقنِعَة ومنطقيّة إلى حدّ ما، واستغلالها بطريقة مغايرة.
كما ويُصار أيضًا إلى وضع مُسَلّمات جديدة يقتنع بها النّاس من دون التّدقيق في صحّتها ومحتواها ومدى خطورتها.
إنّ الخطر المقبل على كلّ المجتمعات العالميّة ليس الكوارث الطبيعيّة والبيئيّة والحروب والأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة فحسب، بل السّيطرة على العقول وتوجيه الناس بحسب رغبة المُوَجّه؛ وفي غالب الأحيان تكون رغبته شيطانيّة هدّامة!
هناك من يقول أنّه كلّما ازدادت معرفة المرء كلّما ازدادت قلّة الحاجة إلى إظهارها، صحيح هذا القول إلى حدّ معين، لأنّ الإنسان المُتَنَوّر والعميق والمكتنز حكمةً ومعرفةً لا يحتاج إلى الكثير حتّى يفهم. فالإنسان الحكيم والمُجَرّب يُحاكيه عقله وإدراكه المنطقيّ، ويدلّانه على طريق الصّواب والحقّ والخير والجمال، فيصل إلى بَرّ أمانٍ وسط عواصف الحيلة ومشاكلها. ولا أظنّ أنّ نصائح الميديا تساعده في أيّ شيء سوى إضاعة الوقت في الثّرثرة والخيال المُخَرّب.
يقول جبران خليل جبران: “الإيمان معرفة داخل القلب لا علاقة لها بالبراهين”. أوافق جبران، خاصّةً إذا كانت البراهين من شغل العقول الشرّيرة المريضة المجرمة. فتلك العقول السفسطائيّة التي تريد أن تُقنِعَك أنّ الفيل هو بالفعل بحجم التّفاحّة عن بعد؛ وأنّ التّفاحة اذا قضمتها ستعلق قطعة منها في الحلق وتُدخِلَك في سبات أبديّ يُشبه الموت ولكنّه ليس موتًا كما حصل مع سندريلا. وعلى الأرجح أنّ هنالك من يخطّط لإدخال العالم في سبات الجهل الطّويل والموت العقليّ تمهيدًا للسّيطرة عليه!
في الخلاصة، لا بُدّ للمؤمن المسيحيّ أن يتذكّر أن كلمة الله تُحذّر من سماع المُنجّمين. فهؤلاء يعجزون عن حماية أنفسهم مِمّا يصيبهم فكيف يحفظون سامعيهم؟ قال أشعياء النبيّ: “لِيَقِفْ قَاسِمُو السَّمَاءِ الرَّاصِدُونَ النُّجُومَ، الْمُعَرِّفُونَ عِنْدَ رُؤُوسِ الشُّهُورِ، وَيُخَلِّصُوكِ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْكِ. هَا إِنَّهُمْ قَدْ صَارُوا كَالْقَشِّ. أَحْرَقَتْهُمُ النَّارُ. لاَ يُنَجُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ يَدِ اللَّهِيبِ”. (أش 47: 13-14).