نتأمّل في أسبوع الفصح بالصليب وبالقيامة. وقليلون منا يتساءلون عمّا حصل في الفترة الواقعة بينهما؟ هل نام المسيح يا تُرى على رجاء قيامته بعد ثلاثة أيّام؟ أو أنّه مضى في مهمّة ما بعدما أهوى رأسه وسلّم روحه؟ وإلى أين ذهب المسيح بعد صلبه؟ يجد من يتأمّل في العهد الجديد أن المسيح قصد بعد موته مباشرة عدداً من المحطات التي يزيدنا التأمّل فيها إيمانًا وثقة بالمسيح الفادي والمخلّص والرّبّ.
المحطة الأولى: جسد المسيح وُضِع في القبر
وُضِعَ جسد يسوع في قبر جديد حفره يوسف الرّامي في الصخر. المسيح دخل القبر البارد ككلّ الناس. لكنّه لم يكن فيه كسائر الناس، لأنه القدوس الذي لا يرى فسادًا ولا يقدر أحد على أن يقول له: “من التراب وإلى التراب تعود”. تقول عنه النبوة: “لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيّك يرى فساداً.” فوضعُ جسد يسوع في القبر كان إلى حين. لأن المسيح دخل إلى القبر، ليس كدخول الضعفاء المجبولين بنكسة الهزيمة والموت، بل دخله كأسد ظافر، ليقتل الموت بموته، وليكسر شوكته وليغلب الهاوية إذ “أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت إذ لم يكن مُمكناً أن يُمسَك منه.”
المحطة الثانية: المسيح ذهب مباشرة إلى عند الآب
مِن على الصليب انطلقت روح المسيح مباشرة إلى عند الآب بعدما صرخ: “يا أبتاهُ، في يديكَ أستودِعُ روحي”. وما الذي عمله المسيح هناك أمام الله؟ قليلون يعرفون أن روح المسيح حملت دمه المقدّس إلى الآب تُقدّمه إليه فدية كفّاريّة لاسترضاء وجهه عن الخطاة ولغفران خطاياهم. قدّم المسيح نفسه ذبيحة بديلة مُسدِّدًا أثمان متطلبات العدالة الإلهيّة عن الخطاة “لإظهار برِّهِ من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله، لإظهار برِّهِ في الزمان الحاضر ليكون باراً ويُبرِّر من هو من الإيمان بيسوع.” وهكذا “نحن البعيدين صرنا قريبين بدم المسيح” إذ “صالح بهِ الكلّ لنفسهِ عاملاً الصلح بدم صليبهِ”.
المحطّة الثالثة: المسيح يذهب الى الفردوس
بعد دخوله الى الآب واسترضائه، توجّه المسيح مباشرة الى الفردوس حيث مقرّ الأرواح البارّة. والفردوس هو نقيض الجحيم مقرّ الأرواح الشريرة. وفي الفردوس استقبل المسيح اللص التائب الذي ناشده: “أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك”. وكان يسوع قد وعده: “الحق أقول لك إنّك اليوم تكون معي في الفردوس”. إذ لا يمكن المسيح أن يترك أتقياءه يموتون متأرجحين بين اليقين والشك حول مصيرهم الأبدي. فالفردوس هو حيث المسيح وحيث الحياة. إنّه الجنّة المفقودة، المكان الذي سمّاه اليهود “حضن ابراهيم”. إلى هناك حملت الملائكة لعازر حيث تعزّى وتنعّم. وإلى ذلك المكان السعيد انتقل استفانوس لحظة استشهاده. وإليه اشتهى بولس أن يذهب: “لي اشتياق أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جداً”. وإلى هناك يرجو كلّ مؤمن أن يذهب بعد موته: “فنثق ونُسرّ بالأولى أن نتغرّب عن الجسد ونستوطن عند الرّبّ.” وبذهابه إلى الفردوس أعلن المسيح عن ذاته لجميع الذين سبق وآمنوا به وماتوا قبل تجسّده قائلاً لهم: أنا هو من آمنتم به. لم يكن إيمانكم باطلاً. أنا الذي داس رأس الحيّة وغلب الموت. أنا رئيس الحياة جئت بها إليكم ولكم فيّ جميع ما وعدتكم به.
المحطة الرابعة: المسيح يذهب الى سجن الأرواح العاصية
تراءى المسيح، بعد ذهابه إلى الفردوس، للذين في الهاوية السفلى حيث سجْن أرواح الآثمة التي عصت قديمًا ولم تقبل رحمة الله. وكرز هناك لأرواح العصاة. ورُبّ مَن يتساءل هل قدّم لهم رسالة الخلاص وسامحهم ومنحهم فرصة جديدة؟ النص في الكتاب المقدس لا يقول ذلك، بل يقول أن المسيح ذهب الى الهاوية أو الجحيم وأعلن انتصاره (وهذا معنى الكلمة كرز هنا) لأرواح مسجونة، في إشارة إلى أجيال غير المؤمنين الذين رفضوا عرض رحمته قديمًا وإلى الملائكة الساقطة والمتمرّدة المـُقيّدة حتى يوم الدينونة. وهو بإعلانه هذا يقول لهؤلاء أنّه هزمهم وأنّ كلّ جهودهم الشريرة ستبوء بالفشل وأنه لا عودة لهم الى الكرامة ولا إلى الشركة معه.
المحطة الخامسة: المسيح يذهب إلى القيامة
ثم عاد المسيح إلى جسده المتروك في القبر ليُقيمه جسدًا ممجدًا غير قابل للموت ثانية. نعم كانت قيامته بالجسد. وقيامته لم تكن خيالاً ولا وهمًا. فقد أكل مع التلاميذ وسمح لهم أن يلمسوه ويتأكّدوا من جراحه. وظهر لأكثر من 582 تلميذًا في أكثر من سبع عشرة مناسبة مختلفة، ليؤكّد لهم أنّه ليس خيالاً ولا وهمًا بل أنّه حقّاً قام. وإن لم يكن المسيح قد قام يكون الإيمان المسيحي باطلاً. وفي اليوم الأربعين لقيامته صعِد المسيح أمام تلاميذه إلى السماء ليجلس في العرش عن يمين الآب حيث يشفع فيهم، فيتمكّن المؤمنون به من أن يُصلّوا بثقة متّكلين على وساطته الفعالة، ويطلبون عودته الثانية ليأخذهم إليه.