1 كورنثوس 15: 45
إنّ الموت قاس وغدّار ومؤلم كالشّوك المُسنَّن. هو أقوى من أيّ إنسان، ولا يستطيع أحد أن يهرب منه أو يختبئ من ظلّه. ونحن جميعنا نسير تحت ناظرَيه. هو المارد الّذي يقف فوق كلّ إنسان ولا يمكن لأحد أن يغلبه كما غلب داود الفتى جليات الجبّار. ولو عدنا إلى لحظات الولادة المفرحة، وتأمّلنا في ما حصل في الواقع، لرأينا أنّ المولود الجديد الّذي يفرح أهله بحضوره، إنّما هو يُولَد ليموت. فكلّ الفرح الّذي نعيشه عند ولادة إنسان في العالم، هو أمر صغير أمام حقيقة اختبار الموت الّذي يحصد كلّ حيّ. يأتي مولود إلى الدّنيا بروح ونفس وجسد، ويُحكم عليه بالسّير نحو لحظة حقيقيّة فيها يتواجه مع عدوّ يفترسه.
الحياة مليئة بالأفراح، لكنّها أيضًا مليئة بالآلام والأشواك. ويصير وضع الحياة مرعبًا ولا يُطاق إن افتكر الإنسان في ما يواجهه عند الموت وبعده. عند الموت لا أحد يقدر على فهم كلّ الاختبار، قد نفهم بعضًا منه. فمن مشاهدة الّذين ماتوا فجأة بسكتة دماغيّة لا نستطيع فهم ما اختبروه في تلك اللّحظة المُخيفة، لكنّنا قد نفهم بعض ما اختبره الّذين تصارعوا مع الموت وحاصد النّفوس الرّهيب. فمَن تكلّموا عن معاناة قبيل انعتاق أرواحهم، عبّروا بشكل متقطّع وغير واضح عن ملائكة سماويّين أو أبالسة جهنّميّين أتوا لأخذ أمانتهم. في كلّ الأحوال، لا تُشكّل كلمات اللّحظات الأخيرة أيّ رسالة واضحة يُبنى عليها لفهم الموت. أمّا عن فهم ما يحصل بعد بوّابة العبور من الجسد والعالم الحاضر، فيبقى تحت رحمة عواصف المخيّلة. فكيف يطمئنّ المهتمّ بمصيره الأبديّ، في ظلّ عدوّ مُخيف لا يستكين ولا يوفّر أحدًا؟
هناك من يُعبّر عن عدم خوفه من الموت. ويعزو ذلك لجسارة ما في داخله، أو لثقة ببِرٍّ ذاتيّ فائض، أو لإيمان بإله خالق، أو ليقينٍ بعدم وجود أبديّة بعد هذه الحياة. أمّا عدم الخوف الفرديّ، فيبقى حالة محدودة لا يُعوّل عليها في بعثِ اطمئنان جماعيّ يُساعد النّاس لحظة الحقيقة المرهبة. ما العمل إزاء عدوّ نجهله ونرهبه، ولا نقدر على مُقاومته؟ كيف نتحضّر لمواجهة مَن أخذ منّا الأهل والأحبّاء ويستعدّ لخطفِنا في وقت لا نعرفه؟ نعترف بأنّنا لا نستطيع وحدنا القيام بأمر، فنحن نحتاج إلى مساعدة مَن عنده الفهم والقوّة والاختبار ومَن هو أهلٌ للثّقة. وحده المسيح يجمع هذه الصّفات معًا. وحده المسيح يُساعدنا على مواجهة الموت. فهو “المُذَّخَر فيه كلّ كنوز الحكمة والمعرِفَة والفَهم”، وهو الّذي اختبر الموت وقهره بموته، وكَسَر شوكة الموت بقيامته وغلب الهاوية. هذا المسيح أهل بالثّقة لما يتحلّى من مصداقيّة وقوّة زعزعت أساسات الرّدى. خلفه مشت نحو الحياة، أجيال من المحكومين بالموت، ومعه انتصر مَن كان طوال عمره مهزومًا.
مَن اشتهى الحياة، رَكِب مركبة نصرة المسيح، قبل ساعة الرّحيل. وعندما يدقّ القلب دقّته الأخيرة، تطير نفسه إلى مخلّصه لمعانقة الفرح في دار الخلود البهيّ. وحدها الحياة مع المسيح تضمن الانتصار على العدوّ الّذي لم يهزمه أحد من النّاس، فهذا هو الإله الحقيقيّ وهذه هي الحياة الأبديّة. طوبى لِمَن تأتيه تلك اللّحظة فتجده غير آبهٍ بها وينظر عبرها إلى المسيح الواقف لاستقباله.