ثلاثة أعوام مضت منذ رأيته، لكن كلماته لم تفارق مسمعي بل على العكس ما زال صداها يتردد في وجداني. دخل رجل ستينيّ إلى قاعة حفل الزفاف مترنّحًا في حالة من الثّمالة. جلس على طاولة مقابلنا وأسرع في تناول زجاجة الويسكي وبالكاد استطاع فتحها لسبب تبلّد قدراته وقلّة تركيزه. بعد عناءٍ طويل، ملأ كأسه ورفعه أمام الجميع قائلًا: “الحياة بلا هيدا الكاس ما إلها معنى”، ثم أصيب بموجةٍ عارمةٍ من الضّحك أثارت استياء المدعوين الذين كانوا ينظرون إليه باستهزاء واحتقار.
لو وُجد في قاعة الحفل آنذاك أطبّاء نفسيّون أو بعضٌ من أصحاب المذهب الإنسانيّ، لشعروا بالأسى على هذا الرّجل. فبالنسبة إليهم، هو مصابٌ بمرضٍ اسمه “إدمان أو إضطراب تعاطي المشروبات الكحوليّة” وهذا المرض لا سيطرة له عليه وبالتّالي هو مجرّد ضحية ولا يتحمّل أيّة مسؤوليّة. هذا “المُدمن” بلا شك سيحتاج إلى برنامجٍ كاملٍ من العلاج النفسيّ “العلاج المعرفيّ السلوكيّ- CBT” وإذا تماثل للشفاء سيحتاج حضور جلساتِ توجيه دائمةً مع متخصّصين في الصّحة النفسيّة لبقيّة حياته وإلّا حتمًا سينزلق مرة أخرى إلى حالة السُّكر والضّياع.
يعتبر علماء النّفس أنّ أفكار الإنسان ومشاعره تنتج عن تفاعلات كيميائية داخل المخ وهذه الأفكار والمشاعر هي التي تحكم سلوكه وتصرّفاته وبالتالي، فأيّ سلوك سلبيّ يعتبر مرضًا وسببه خلل ما في الدّماغ. في العام 1956 أعلنت منظمة الصحة العالمية أنّ الإستهلاك المفرط للكحول سببه مرض يؤثر على بنية الدماغ ووظيفته. لم يكتفِ العلماء باعتباره مرضًا فحسب بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك وأرادوا أن يثبتوا أنّ الشُّرب غير المنضبط هو مرض وراثيّ له أسباب جينية.حاول العديد منهم خوض غمار هذه التّجربة، ومع كلّ الضّجة التي أثارتها بحوثهم ودراساتهم إلّا أنّهم في النهاية رجعوا خائبين. فقد أشار البروفيسور في الطب النفسي دانيال بلوك في مقالة له صدرت في آذار 2020 أنّه حتّى الآن لم تستطع أيّ دراسة أن تصل إلى تحديد الجين المرتبط بإدمان الكحول.
للأسف، ما يسمعه مدمنو الكحول في العيادات النفسيّة هو أنّهم مغلوب على أمرهم من هذا المرض المدمّر غير القابل للشفاء الكامل. إنهم ببساطة يجرّدونهم من أيّ أمل للشفاء ويرفعون عنهم المسؤوليّة بقولهم هذا “مرض” فيخرج المدمن من العيادة متماديًا في شربه وعذره تحت إبطه. لا بدّ أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن هو هذا: إن كانت مشكلة الإفراط في تناول الكحول لا تنتج عن خلل في الدماغ ولا عن جينات متوارثة أين تكمن المشكلة إذًا؟ المشكلة هي القلب.
قال الواعظ هاري ريدير في إحدى عظاته هذه الكلمات المعبّرة: “إنّ قلب مشكلتك هو مشكلةٌ مع قلبك”، أي مشكلةٌ مع رغبات القلب ودوافعه فأيّ شيء في هذا الوجود يريده الإنسان ويرغب فيه بشدّة أكثر من الله سيأسره ويستعبده ويُبعده عن خالقه. الإفراط في شرب الكحوليات ليس مرضًا كما يزعم الأخصائيّون النفسيّون، بل خطيئة سببها قرارٌ شخصيّ يتخذه الإنسان في لحظة وعي وتبدأ برشفة واحدة على طاولة مبارزة مع حماسة جمهور يصرخ بانفعال “مقفّى، مقفّى،” أو في ملهىً ليليّ على طاولة أناسٍ “منهنهين” من الإسراف في الشّرب أو في أيّ موقف آخر. ما يسمّيه علم النفس “المُدمن المريض” هو في الحقيقة خاطئٍ ومستعبَدٍ في نظر الله، يقدّم عبادته اليومية لهذا المشروب الذي قصد به الله خير الإنسان.
كتب الرسول بولس بوحيٍ من الروح القدس: “أم لستم تعلمون أنّ الظالمين لا يرثون ملكوت الله؟ لا تضلّوا: لا زناة ولا عبدة أوثان …ولا سكّيرون…يرثون ملكوت الله” (1 كو 6: 9-11). هذه الآية تصف السُّكر على أنّه خطيئة، وتحملنا للتفكير بهذا الجين المفقود الذي تحدثنا عنه آنفًا إذا فعلًا تم إيجاده الأمر الذي لن يحصل أبدًا كيف سيُعاقب الله من ليس له ذنب فيما وصل إليه؟ سيظهر أنه كاذبٌ وغير منصفٌ وحاشا لله أن يكون كذلك! إن كلمة الله تخبرنا أن الإنسان فعلًا يعجز بقدرته الشّخصية عن التغلّب على أيّ نوع من الإستعبادات وليس فقط الإستعباد للكحول لكن حين يأتي أمام الله بقلبٍ تائب معترفًا بخطاياه وبخطيئة إدمانه وقابلًا لعمل المسيح الكفاري سيمنحه الله عطية الروح القدس الذي سيقويه ويمكّنه من رفض هذه السلوكيّات. يوجد رجاء بالشفاء والتحرير الكامل بقوة الروح القدس الذي سيسكن بداخل الإنسان لحظة توبته وليس بمجهودات علم النّفس التي لم تساهم في تحقيق أي نجاح يُذكر بدليل أن عدد المدمنين في العالم يزداد سنة تلو الأخرى.
أتمنّى أن تصل هذه المقالة لهذا الرجل “المغلوب على أمره” علّه يقرأها في صحوته ويدرك أنّه بحاجة لقبول مسؤولية القرار الذي اتخذه ويبتهج في الرّجاء الذي له في المسيح يسوع!
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.
اختيارات المحرر
إدمان الكحول: مرضٌ أم إستعباد؟
دخل رجل ستينيّ إلى قاعة حفل الزفاف مترنّحًا في حالة من الثّمالة. جلس على طاولة مقابلنا وأسرع في تناول زجاجة الويسكي وبالكاد استطاع فتحها لسبب تبلّد قدراته وقلّة تركيزه. بعد عناءٍ طويل، ملأ كأسه ورفعه أمام الجميع قائلًا: "الحياة بلا هيدا الكاس ما إلها معنى". كتب الرسول بولس بوحيٍ من الروح القدس: "أم لستم تعلمون أنّ الظالمين لا يرثون ملكوت الله؟ لا تضلّوا: لا زناة ولا عبدة أوثان ...ولا سكّيرون...يرثون ملكوت الله" (1 كو 6: 9-11).
شاركها.
فيسبوك
تويتر
لينكدإن
البريد الإلكتروني
واتساب
السابقمقياس المحبّة
التالي المرأة محبوبةٌ من الله!