يذكر الكتاب المقدّس سيرة بطل كبير هو إيليّا النّبيّ الّذي عاش في زمن اضطهاد أنبياء الله. اختار إيليّا الانفصال والخروج خارج المحلّة ومعارضة الملك المستَبدّ. وكان في أيّامه قائد روحيّ آخر هو عوبديا، الّذي اختار مهادنة الملك آخاب وزوجته إيزابل الشرّيرة. وكان عوبديا يُبرّر نفسه بأنّه يُعيل من مال الملك مئة نبيّ خبّأهم في مغارتين. وكان عوبديا يتذرّع بتحريم الاتّصال بالنّبيّ إيليّا لكي لا يحكي معه. وذات يوم حصل جفاف شديد في المملكة، فخاف الملك على ثروته وسلطانه، وطلب من شريكه الدّينيّ عوبديا أن يبحث معه عن مراعٍ ومياه…
وصدف أن التقى عوبديا إيليّا في أثناء تجواله في الأرض، فأظهر له الاحترام والخضوع الظاهريّ عندما ناداه “سيّدي”. أمّا إيليّا فرفض الممالقة والمراءاة، وأن يكون سيّدًا لِمُساوِم مُستعبَد لوليّ نعمته الفاسد. تحدّى إيليّا عوبديا ليُعلن لقاءه به، أمّا هذا الأخير فكان جبانًا، يخاف أن يقول إنّه رأى نبيّ الله. لقد كان يعرف أنّ المطلوب هو بقاء الجميع بعيدين عن إيليّا ومواقفه، وإلاّ فالويل لهم. بالفعل، كان هذا زمنًا رديئًا، إلاّ أنّه يُعاود الظّهور في سجلّ التّاريخ مرارًا. فيأتي مَن يُشبه إيليّا ليواجه مَن يُشبه عوبديا، ويبقى مَن يُشبه عوبديا يُساوِم بسبب مطامعه الشّخصيّة وحاجات أزلامه وصغر نفسه وعدم أمانته، وانتفاء وجود دعوة مقدّسة يعيش لها وبموجبها.
أمّا إيليّا فواجه عوبديا، وتقدّم في المواجهة إلى الملك وأنبيائه الكذبة المرتَزقين منه، الّذين روّجوا للبعل. وواجه إيليّا آخاب الّذي كان يتّهمه بتكدير إسرائيل، ورفض الاتّهام وردّه للملك وقال له: “لم أُكَدِّر إسرائيل، بل أنتَ وبيت أبيكَ بتَرْكِكُم وصايا الرّبِّ وبسَيْرِكَ وراء البَعْليم”. وكان هدف إيليّا تحرير الشّعب من سلطة البعل والبعليّة والبعليّين. وانتقل إيليّا إلى دعوة النّاس مباشرة إلى تحديد موقفهم من الله ومن البعل. وعرض المنازلة والتّحدّي، وطلب بناء مذبَحين ووضع ثورين وإقامة عبادتَين… وأعطى الأولويّة للبعليّين ليبدأوا بشعائرهم، ويطلبوا من إلههم أن يُمطر من سمائه نارًا تأكل الذّبيحة. فملأوا الفضاء صُراخًا وقطّعوا أنفسهم، ولم يكن من مُجيب. أمّا إيليّا فطلب إله الآباء الّذي استجابه للحال، فنزلت ناره والتهمت الذّبيحة بكاملها. عندها سقط جمهور الشّعب على وجوهم صارخين: “الرّبُّ هو الله! الرّبُّ هو الله!”. عند عودة الشّعب إلى الله عادت البركة إليهم، وأمطرت السّماء مطرًا عظيمًا.
مَن يقرأ القصّة في سفر الملوك، يعرف أنّ الصّراع كان بين إلهين وسلطتين ومصدرين للخير. الإله الأوّل حيّ وحقيقيّ والثّاني مُختَرَع ووهميّ. والسّلطتان هما سلطة الحقّ ممثلة بإيليّا، وسلطة الجور والكذب ممثلّة بآخاب. أمّا الخير فلم يكن إلاّ من عند الرّبّ، فيما البعل المفترض أن يكون إلهًا للخصب، كان مضروبًا بالعقم الأبديّ لأنّه لم يكن موجودًا. وماذا عن عوبديا؟ لم يكن سوى لاعب بسيط خاف على موقعه وطعامه فباع نفسه لِمُتسَلّط لم يقدر على المحافظة على سلطته أمام الحقّ. شتّان بين إيليّا وعوبديا. إلى اليوم نذكر إيليّا، وهو ما زال حيًّا. ولا أحد يعرف عوبديا وهو قد مات في العار. أمّا هدف إيليّا فلم يكن أن يعرفه النّاس، بل أن يعودوا إلى الله المُتسلّط على الكون والطّبيعة وأرواح البشر ويعرفوه وينعموا بخيره. يحتاج عصرنا إلى رجال مُحرّكين بروح النّبوّة والحقّ، عطوفين على الشّعب، وموآزَرين بالقوّة العلويّة لمواجهة الضّلال. ويحتاج أيضًا إلى شعب يُوقف التّعريج بين الفرقتين ليُعلن ولاءه المُطلق للرّبّ.