يطرح كلّ مُصلٍّ هذا السّؤال: “هل يسمع الله لي وهل يستجيب؟” إنّه سؤال صعب للغاية، فلا أحد يستطيع أن يُطمئن أحدًا آخر على أنّ الله يستجيب الصّلوات، إنْ لم يأتِ هذا التّأكيد من الله. ولحسن الحظّ، يدوّن لنا الكتاب المقدّس الكثير ممّا يؤكّد أنّ الله يستجيب. فالوعود الإلهيّة واختبارات رجال الله المدوَّنة في كلمة الله تُزيل كلّ خوف وتُدعّم إيمان المُصلّي، وتدفعه إلى المزيد من الصّلاة الواثقة.
مَن يُصلِّ يُستجَب له
عندما نُصلّي إلى الله، لا نُمارس التّكلّم مع أنفسنا، بل مع شخص حيّ حكيم وقدير يستمع لصلواتنا ويتفاعل معها. هذا هو جوهر استجابة الصّلاة، وإلاّ لما كُنّا نتكلّم على استجابة الصّلاة. يُشجّعنا الرّبّ يسوع المسيح، في الموعظة على الجبل، على أن نُصلّي لكي يُستجاب لنا. نرى هذا التّشجيع مرّتين: الأولى في متّى 6: 6 “وأمّا أنتَ فمَتَى صَلّيت فادْخُل إلى مِخدَعِك وأَغْلِق بابَك، وصَلِّ إلى أبيك الّذي في الخفاءِ. فأبوك الّذي يَرى في الخفاء يُجازيكَ علانِية”. أمّا المرّة الثّانية فهي في متّى 7: 7-8 “اِسألوا تُعطَوا. اطْلُبوا تَجِدوا. اقْرَعوا يُفتَح لكُم. لأنّ كُلّ مَن يسأل يأخُذ، ومَن يَطلُب يَجِد، ومَن يَقرَع يُفتَح له”. وفي هذه الفقرة نرى أنّ يسوع يُشجّعنا ويطبع في أفكارنا ونفوسنا ستّ عبارات متكرّرة تؤكّد أنّه إن صليّنا يستجيب. حقًّا، إنّ الله يسمع لنا، وهذه هي أهمّ بركة مرتبطة بالصّلاة.
وعد الرّبّ يُشجّعنا على الصّلاة
إنّ تكرار تأكيد الاستجابة هو لكون الرّبّ متيقّن من شكّنا في فعاليّة الصّلاة. فنحن نُصلّي والشّكّ النّاتج من طبيعتنا الجسديّة وضعف إيماننا يملأ قلوبنا. ممّا يحوّل الصّلاة إلى مُجرّد فرض دينيّ نؤدّيه من باب الواجب فقط، وبالتّالي إلى عمل غير نافع يُثقل حياة المُصلّي فيتوقّف عنها عاجلاً أو آجلاً. وهذا يُفسّر عدم وجود حياة صلاة فرديّة في المخدع لدى معظم المسيحيّين. قد نتشجّع عندما نسمع اختبارات عن استجابة الصّلاة، لكنّ التّشجيع الأكبر يكون من فم الرّبّ الّذي يؤكّد لنا أنّه إن صلّينا يسمع لنا. وهذا الوعد هو أهمّ وأقوى من أيّ اختبارات نسمعها من النّاس.
اسألوا، اطلبوا، اقرعوا
يستخدم الرّبّ أفعالاً خاصّة ومُميَّزة جدًّا في متّى 7: 7-8. يقول “أندرو موري” إنّ لكلّ فعل من هذه الثّلاثة معنى خاصّ جدًّا. (1) الفعل “اسألوا” يتعلّق بالهبات الّتي نحتاج إليها. إنّه طلب الهبات من دون الواهب. (2) الفعل “اطلبوا” يتعلّق بالواهب شخصيًّا. وكما المسيح جاء لكي “يطلب” لنفسه ما قد هَلَك، هكذا نحن عندما “نطلب”، نطلب شخصه لأجل شخصه. (3) الفعل “اقرعوا” يتعلّق بطلب دخول حضرة الله لنكون في شركة معه. وفي هذه الأفعال الثّلاثة، نرى أنّ الرّبّ يسوع يُريدنا أن نتشجّع ونسأل طلبات لننالها، وأن نطلب شخصه لنجده، وأن ندخل حضرته لنتمتّع بالشّركة معه. هذه هي الصّلاة، وهذه هي الأهداف الصّحيحة والمُبَرَّرة والمقبولة الّتي نصبو إليها عندما نُصلّي.
عدم استجابة الصّلاة
ماذا لو لم يستجِب الله؟ هل يتزعزع الإيمان عندها، أو نطرح على أنفسنا أسئلة عميقة لنفهم أسباب عدم الاستجابة؟ من الأسئلة الّتي علينا الإجابة عنها بإخلاص لفائدتنا:
- هل نحن نسأل ونطلب ونقرع لأهداف مُحدّدة تنسجم مع ما سبق ودرسناه أعلاه؟ ربّما، في صلواتنا، لم نأتِ بأمر محدّد، فلماذا نتوقّع استجابة محدّدة؟
- هل نوجّه صلواتنا بإيمان إلى الله كونه الإله القادر على أن يستجيب، أو نُصلّي والشّكّ يملأ قلوبنا؟
- هل نُصلّي مُعطين الرّبّ فرصة ليُعدّل في طلباتنا، أو نفرضها أوامر عليه أن يُطيعها؟
- هل صلواتنا بحسب مشيئته، أو هي أمور يرفضها الرّبّ لأنّها رديئة نبغيها لننفقها في شهواتنا؟
- هل صلواتنا هي من النّوع الذي نطلب فيه العطايا لأنفسنا من دون شخص الواهب ولا الشّركة معه؟
- هل صلواتنا تنبع من قلب شرّير وفم نَجِس؟ نحن نعرف أنَ طِلبَة البارّ (وحدها) تقتَدِر كثيرًا في فِعلِها.
- هل نسأل من الرّبّ أن نأخذ منه من دون السّماح له بأن يأخذ منّا؟
- هل هناك درس روحيّ يُريد الرّبّ أن يُلقّننا إيّاه عبر تأجيل استجابة الصّلاة أو رفضها؟
- هل نحن نُصلّي بالرّوح والحقّ، كما يطلب الله الآب؟
هل إنّ صلواتنا تهدف إلى تمجيد الرّبّ؟
لقد آمن داود باستجابة الله لصلواته عندما يُقدّم التّعظيم له، لذا رنّم قائلاً: “أُبارِك الرّبّ في كلِّ حين. دائِمًا تَسبيحُه في فَمي. بالرّبّ تَفتَخِر نَفسي. يَسمَع الوُدَعاء فيَفرَحون. عَظِّموا الرَبّ معي، ولنُعَلِّ اسْمَه معًا. طَلَبتُ إلى الرّبّ فاستَجاب لي، ومن كُلّ مَخاوِفي أَنقَذَني. نَظَروا إليه واستَناروا، ووجوهُهُم لم تَخجَل. هذا المسكين صَرَخ، والرّبّ استَمَعَه، ومِن كُلّ ضيقاتِه خلَّصَه”.
وتعظيم الرّبّ وحده لا يكفي، لأنّ مراعاة الخطيّة تُعيق استجابة الصّلاة بالتّأكيد. يقول المرنّم: “هلُمَّ اسْمَعوا فأُخبِرَكُم يا كُلّ الخائِفين الله بِما صَنع لِنَفسي. صَرَختُ إليهِ بِفَمي، وتَبجيلٌ على لساني. إنْ راعَيتُ إثْمًا في قلبي لا يَستَمِع لي الرّبّ. لكِن قد سَمِع اللهُ. أصغَى إلى صَوت صلاتي. مُباركٌ الله، الّذي لم يُبعِد صَلاتي ولا رَحمتَهُ عنّي”.
الله يُحبّ أولاده ويستجيب لهم
باختصار، الله يودّ سماع صلوات أولاده. إنّ رغبته في أن يفيض عليهم بالبركات نابعة من كونه إلهًا يُحبّ خليقته ويعطف عليها، وهو لم يخلقها لتهيم على وجهها في غربة هذه الحياة. الصّلاة تربط الأرض بالسّماء، والإنسان بالله. أمّا استجابة الصّلاة فليست سوى الوقود الّذي يجعل الصّلاة مُستمرّة بقوّة لفائدة الإنسان وخيره العميم. يتشجّع المرنّم في الصّلاة فيقول: “أحبَبْتُ لأنّ الرّبّ يَسمَع صَوتي، تضَرُّعاتي. لأنّهُ أمالَ أُذُنَه إليَّ فأدعوهُ مُدّة حياتي”.
الله إله الكمال، ولا أنصاف كَمال عنده. إنْ أراد أن يُعطي أولاده الّذين يطلبون إليه أعطاهم خيرات كاملة. يتابع الرّبّ تعليمه عن الصّلاة في الموعظة على الجبل: “فإنْ كنتُم وأنتُم أشرارٌ تَعرِفون أنْ تُعطوا أولادكُم عطايا جيّدة، فكم بالحرِيِّ أبوكُم الّذي في السّماوت، يَهَب خيراتٍ للّذين يَسألونَه!”. الله يُحبّ أولاده، وهو يُريد الخير لهم ولا يمنع يده عن تقديم أيّ خير يحتاجون إليه. والرّبّ يفرح بأولاده عندما يأتون ليطلبوا إليه، وهو يُريد أن يُفرّحهم باستجابة الصّلاة. يقول الرّبّ: “وفي ذلِك اليوم لا تسألونَني شيئًا. الحقَّ الحقَّ أقول لكُم: إنَّ كُلّ ما طلَبتُم من الآبِ باِسمي يُعطيكُم. إلى الآن لم تَطلُبوا شيئًا باِسمي. اطلُبوا تَأخُذوا، ليكون فرحُكُم كامِلاً” (يوحنّا 16: 23-24).
نُلاحظ في هذه المواعيد أنّ مصداقيّة الله “على المحكّ”. فهو لا يَعِد ويندم، أو يتكلّم ومن ثمّ يكذب. هو دائمًا صادق ويقف عند وعوده وكلمته ليُجريها. لقد آمن رجال العهد الجديد بصدق وعود الله، وبأمانته وبقدرته، لذلك عاشوا حياة صلاة حقيقيّة وفعّالة. كذلك آمنت الكنيسة الأولى بالرّبّ فلجأت إليه وقت الحاجة والاضطهاد وإرسال المرسَلين.