شرّعت المحكمة العليا الأمريكية ممارسة الإجهاض في الثاني والعشرين من سنة 1973 في قرارها الشهير “Roe v. Wade” والذي غيّر الكثير من المفاهيم الاجتماعيّة في الإنجاب وحقِّ الحياة. شكّل هذا القرار ثورةً في دور القِيَم الأخلاقيّة ومبادئ المحافظة على قدسيّة الحياة. ولم يكن أحدًا يدرك يومها أبعاد هذا القرار وتأثيراته الحادّة التي ما زال يتردّدُ صداها حتى يومنا الحاضر. وهكذا حُرِمَت الكثير من العائلات آنذاك من إمكانيّة اتخاذ القرارات التي تنسجم مع القِيَم الأخلاقيّة المناهضة للإجهاض.
الجدير ذكره أيضًا إن هذا القرار الهام لم يكن وليد ساعته بل استند إلى مجموعة من العوامل الاجتماعيّة والعمليّات الطبيّة التي مورست منذ بداية القرن العشرين. ومع تقدُّم التكنولوجيا والعِلم الحديث، كثُرت في أيامنا المعاصرة فكرة اختيار الأفضل جينيًا بين الأجنّة وإهمال تلك التي لا تُعتبر قابلة للاستمراريّة وللحياة. وقد قيل يومها أن تشريع الإجهاض هو لأسبابٍ بيولوجية وطبّية بحتة. فما هو إذا موقف المجتمع والعِلم من هذا التشريع وهذه الممارسات، وكيف ينظر المؤمن المسيحي إليها، وهل للكتاب المقدَّس رأي في الموضوع؟
الجنين إنسان حقيقيّ
لا شكّ أن هذا القرار كان يخالف الكثير من المعتقدات والتوجُّهات الاجتماعية السّائدة آنذاك. لقد اعتقد الكثيرون من دعاة الحفاظ على قدسيّة الحياة بأن العِلم يدعم فكرة أن الجنين في مراحله الأولى في رحم الأم هو بالحقِّ إنسانٌ كامل. ومن هذا المنطلق، لا يجوز شرعًا وأخلاقًا تشريع الإجهاض لأنه قد يرقى بذلك إلى مستوى القتل العمد. بالإضافة إلى ذلك، ندرك حيثيّة الكثير من الحجج العلميّة الثابتة والتي تؤكّد مع التطوّر التكنولوجيّ أن حياة الجنين إنما هي محفوظة في إطارٍ منظّم من العوامل الفيزيولوجيّة المركّبة والتي تساهم إلى حدٍّ كبير بالاهتمام بنشأة الجنين وتطوّره داخل رحم الأم بأمانٍ واطمئنان. أما المشرّع فقد حاول جاهدًا التأكيد على أن للمرأة الحق وحدها في الاختيار بناءً على معطياتٍ شخصيّة وطبيّة ما إذا كانت ستحتفظ بجنينها أم لا. بهذا يكون تشريع الإجهاض قد استند إلى حدٍّ كبير على الحرية الشخصيّة والخصوصيّة الفرديّة غير آبه بذلك بالقِيَم الاجتماعيّة والأخلاقيّة المعروفة والمتّبعة في المجتمعات الحديثة والمحافظة.
قتل غير رحيم
قد لا يدرك الكثير من النقّاد أن الإجهاض إنما يطال شخصًا له كامل الحق في الحياة ويؤثّر أيضا على الأم والعائلة التي تحتضنها. وما يؤرّق بال الكثيرين من المحافظين اعتبار أن الجنين في المراحل الأولى للحمْل هو ليس إنسانًا كاملاً وبالتالي ليس له حقوق الفرد التي يصونها القانون المدنيّ. وبذلك يكون المشرّع قد جعل الحريّة الشخصيّة وقرار الفرد – أي الأم في هذه الحالة – فوق قدسيّة الحياة التي هي من حقّ كل طفل لم يولد بعد. وإن كان هذا الطفل عاجزًا لا يستطيع أخذ القرارات، فلا يحقُّ لأيٍّ كان أن يُفرّط بمبدأ الحياة من منطلق الحفاظ على حياة الأم أو الأخذ فقط بقرارها الشخصيّ. إن هذا التحفُّظ إنما يعكس قلقًا بالغًا مما كانت ستؤول إليه الأمور من عدم انضباط وفلتان عمليّات الإجهاض وكثرتها وعشوائيّتها.
قانون غير أخلاقيّ
يعتبر الكثير من المسيحيّين بحقٍّ إن تشريع الإجهاض هذا إنما يرقى لعملٍ غير أخلاقي حتى وإن كان عملاً مقوننًا. وهو يعتمد على قرار الفرد دون أن يأخذ بعين الاعتبار ضمير الجماعة والأخلاقيّات التي على أساسها بُنيت المجتمعات. وهكذا صرنا بتشريع الإجهاض وكأننا نتحدّى القصد الإلهيّ في الحفاظ على قدسيّة الحياة واستمرايّتها مهما صغُرت.
بعد إجراء الملايين من عمليات الإجهاض المنظّم حول العالم منذ تشريعه سنة 1973، لا بدّ أن نقف لِنُعلن أننا ضدَّ ممارسة القتل المسمّاة إجهاضًا، فنحن مع الحقّ بالحياة للجنين مهما كان عمره. وفي الخلاصة نقول: الله أعطانا نعمة الحياة كي نحافظ عليها كوكلاء أمناء. إن الفحص الطبّي المبكِّر للكشف على الأجنّة قد يكون إجراءً ضروريًا، إلا أن العيادات الطبيّة لا يجب أن تُشجّع على الإجهاض إلا في حال تعرُّض حياة الأم للخطر الأكيد بسبب جنينها. فحياة الأم تشكّل أولوية لدى الجسم الطبّي والعيادي. نحن نثق حتمًا بصدقية مواعيد الله للإنسان في الشفاء والتغيير. فما أعظم كلمة الله التي تبُّث فينا الرجاء المبني على قدرة الله وسلطانه. لا تقتل
أن الظروف الصعبة التي يمر بها الأجنّة أو الأطفال المعوّقين وعائلاتهم يجعلنا نتمسّك أكثر في شخص الله المبارك، عالمين أنه هو مصدر الشفاء النفسيّ والروحيّ والجسديّ. أتذكر هذه الكلمات: “لأنك أنت اقتنيت كليتي. نسجتني في بطن أمي، أحمدك من أجل أني قد امتزت عجبًا. عجيبة هي أعمالك، ونفسي تعرف ذلك يقينًا. لم تختفِ عنك عظامي حينما صُنعت في الخفاء، ورقِّمت في أعماق الأرض. رأت عيناك أعضائي، وفي سفرك كلها كتبت يوم تصوّرت، إذ لم يكن واحد منها” (مز 139: 13-16). فيا لعظم عمل الله الكامل وعنايته وشفائه. صلاتي أن يرشد الرب كلّ زوجين يُفكران بالإجهاض أن لا يرتكبا جريمة قتل يندمان عليها فيما بعد.