أدخل الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر عام 1927 في كتابه “الكائن والزّمن” (Being and Time) مفهوم ال “Dasein” الذي ترجمته “الكائن – هنا”. يشرح هايدغر أنّ هذا الكائن هو الإنسان الموجود في العالم ككائنٍ محدود، مرميّ في الوجود، يحمل منذ ولادته مشروع موته. وهو في معاناة وجوديّة يوميّة تتجلّى في قلقٍ دائم.
إذًا، الإنسان هو كائن موجود في الحياة، ذو مشروعٍ وجوديّ، يحمل مسؤوليّة وجوده الّذي يتحقّق بمدّةٍ زمنيّةٍ قصيرةٍ وثقيلة، فيها التّعب والخوف والألم. كما أنّه “Dasein” يتحمّل عبء وجوده وله مسؤوليّات فيه، ويتألّم من كونه مائتاً ومن أنّ جسده هشٌّ وعرضة للمرض وللفساد.
ويضيف هايدغر ” أنّ الحياة والإتيان لهذا الوجود بحدّ ذاتهما ثقلٌ كبيرٌ ممكن أن يسبّب جروحًا وجوديّةً لا مفرّ منها، تكون كفيلةً أن تصيب الإنسان بأمراضٍ نفسيّة، كالإكتئاب والقلق وغيرهما.
يقول المثل الشعبي “اللي خلق علق”.
ولدْتُ في عائلةٍ متماسكةٍ، وكان الوالد يهوى التّصوير الفوتوغرافيّ وجمع الصّور القديمة لأجداده وأقاربه وحفظها. وفي صغري كنت، كلّما كان أهلي يتمتّعون بالنّظر اليها، أختبىء وأبكي. فهؤلاء الأقارب ليسوا بموجودين في الحياة. أتوا ورحلوا، ثم أتى أهلي وأخوتي وأنا، وسوف نرحل كأسلافنا ذات يوم.
كانت هذه الحقيقة تؤلمني وتجرحني في وجودي، لذلك لم أكن أحبّ الصور. ولكنّها جعلتني أفكّر بالحياة والوجود وأبحث عن معنى لهما وأطرح على نفسي أسئلةً حول ما بعد الحياة؟ فأنا في ورطتين: الوجود وما بعده!
فوجدت من خلال الكتاب المقدّس أنّ وجودي لم يكن بلا هدف. وأنّه يمكن التغلّب على هذا الجرح الوجوديّ بمجرّد معرفتي أنّ يسوع المسيح هو ربّ الحياة وواهبها وعند قبولي له. فالحياة معه أفضل وأجمل، ولو كنّا في عالمٍ مظلمٍ فهو مصدر نورنا وهو يهدينا حتّى إلى ما بعد الموت.
سلّمت قلبي للرّب وأنا شابّة فأعطاني غفرانًا أبديًّا وسلامًا يفوق كلّ مخاوفي من الوجود ومن الموت. وصرت أواجه هذه الحقيقة بشجاعةٍ بفضل الله الخالق والفادي الذي بيده كلّ شيء، له كلّ المجد.