فكرة ارتسمت في أذهان النّاس حول انتهاء الدّراسة، بقيت ثابتة في مخيّلتهم كتلك الصّور التّذكاريّة الّتي تؤخذ في حفل التّخرّج، فلبثت بلا حراك معلّقةً على الحائط، أو مثبّتةً داخل ملفٍّ إلكترونيّ، أو مزيّنةً صفحات مواقع التّواصل الاجتماعيّ. فهذه النّظرة المحدودة انحصرت بنيل شهادة تُبيّن أنّ الّذي نالها قد اجتاز جميع المراحل بنجاح، وبالنّتيجة وصل إلى خطّ النّهاية.
في واقع الأمر، إنّ جميع الطّلّاب يسـعَون مجتهدين للوصول إلى تحقيق الرّاحة من عبء تعب التّحضير للامتحانات. بينما الإنسان المتعلِّم الفطِن يعي تمامًا أنّ مشوارًا جديدًا نحو التّعلّم قد ابتدأ في حياته المهنيّة، فور تولّيه وظيفةً ما، ألا وهو استحقاق مواكبة كلّ ما آل إليه التّطوّر في مجال عمله. وتبعًا لذلك، فقد تحوّل ما أنجزه خلال سنوات دراسته إلى مجرّد نقطة بداية.
فربّ سائلٍ: كيف سيغدو طبيبًا اكتفى بما تعلّمه، ولم يشارك في مؤتمراتٍ طبيّةٍ، وأعمى عينيه عن إمكانيّة التّحديث؟ أو هل سيُسجَّل اسمه مهندسًا مَن كان قد أغفل أهميّة التّعرّف إلى الطّرق المستحدثة لإنجاز مشروعٍ ما؟
في المقابل، لن يتوقّف التّقدّم ولن تنضب الاستكشافات، طالما وُجِد أناسٌ يستهويهم حبّ المعرفة والاستطلاع. لذلك، كلّ مَن جذبه العِلم لن يقوى على الابتعاد عن طلب المزيد، إسهابًا في توسيع آفاقه المعرفيّة بلا كلل نحو الازدهار.
وبوجهٍ خاصّ، يحتاج المعلِّم إلى مواصلة الاطّلاع على مجريات ما ارتقى إليه عصره، للاستمرار في عمليّة التّطوّر ريثما يستطيع الالمام بكلّ ما يطرأ على مادّته من تحديث وتجديد. حيث يتمّ تطوير معلوماته القديمة المخزونة في فكره، ويزيد عليها جُدُدًا بفعل التّعلّم، فيغدو مثل “الكاتب الماهر” الّذي تحدّث عنه الرّبّ يسوع إذ قال: “مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كُلُّ كَاتِبٍ مُتَعَلِّمٍ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلًا رَبَّ بَيْتٍ يُخْرِجُ مِنْ كَنْزِهِ جُدُدًا وَعُتَقَاءَ.” (متّى 13 : 52).
ولكنّ البعض يعتقد بأنّ المعلّم ليس بحاجة لتعلّم المزيد، فهو مَن يقوم بعمليّة التّدريس. إذًا هو يعلم كلّ شيء! ولكنّ الصّحيح، هو أنّ المعلّم يحتاج إلى متابعة عمليّة التّعلّم طيلة أيّام مزاولته لمهنة التّعليم. وقد تبرهَنَ بأنّه الأكثر حاجةً للتّدريب والتّطوير، كونه يعلّم أجيالًا تتناقل ما قد تعلّموه. وزد على ذلك فهو مسؤول أمام تلاميذه بنقلهم إلى معرفة الأحدث علميًّا وأدبيًّا ومهنيًّا.
وكما ورد في كتاب The 7 Laws Of The Teacher فإنَّ المعلِّم الّذي يتوقّف عن النّموّ اليوم لا بدَّ وأن يتوقّف عن التّعليم غدًا. ويكمل الكاتب الدكتور هوارد هندريكس، فيؤكِّد أنَّ المعلّم الشّاب الّذي قرّر أن يتوقّف عن التّعلّم هو ميت ذهنيًّا.
بالطّبع، لأنّ العلم اتّخذ لنفسه آفاقًا ما حدّها حدّ. فبالتّالي، مَن استسلم في بقعةٍ ما لن يستطيع النّهوض باستعمال معدّاته القديمة، إذ لن تمسي ناجعة. وهذا يؤدّي إلى ضرورة البقاء بكامل الجهوزيّة من دون إغفال التّسارع الحاصل بفعل تكاثر الابتكارات.
بالفعل، إنّ التّعليم مَهمَّةٌ شاقّةٌ يُتقنها مَن يتّخذ الإبداع سبيلًا في تعريف المتعلّم بالمادّة الّتي ينوي سبر غورها. فكيف سيكون ناجحًا في ابتكار طرق جديدة في التّعليم إن لم يُخضع نفسه لتدريب مستمرّ يحاكي الواقع المحيط بالمتعلّمين؟ لا بل هل سينجح في التّواصل مع أناسٍ لا يعرفهم؟ وعلاوةً على ذلك، يتجاهلهم حينما يصرّ على الابتعاد عن عالمهم ومستوى تفكيرهم.
وبناءً عليه، فمَن اختبأ خوفًا من التّجديد، ليته يُدرك كيف أتاح الفرصة لمخالب الجهل فنشبت، وما برح مُحاصَرًا. بل ونتيجةً لذلك، أمسى سجين ظلام الزّوال والاندثار.