هناك أشخاص ينكرون وجود الرّوح عند البشر، ويحصرون العنصر غير الماديّ بالنّفْس البشريّة. والبعض من أصحاب الفكر المادّي الملحد يتطرّفون بالقول أنّ المادة هي كلّ ما في الوجود. فمثلًا، يقول العالم الفلكيّ كارل ساغان أنّ الكون هو كلّ ما في الوجود. لكن، في الواقع، لا يمكننا أن نخرج خارج الكون لنتأكّد من صحّة هذه المقولة. أمّا البعض الآخر، حتى من العلماء الملحدين، فيؤمن بوجود الرّوح، مثل الفيلسوف توماس ناجل الذي يعترف بوجود الرّوح بناءً على الوعي. يتكلّم بولس في رسالته الى أهل رومية، الإصحاح الأوّل، كيف أنّ الله جعل غير المنظور منظورًا لنا، لكنّ البعض يصرّ ألّا يرى الأمر، لذلك أسلمهم الله الى شهوات قلوبهم. العنصر غير المادّيّ في الإنسان ينقسم إلى قسمين: النّفس والرّوح. النّفس هي العنصر غير المادّيّ المتعلّق بالأمور الأرضيّة الحياتيّة (عواطف، إرادة، قِيَم، أفكار، وشخصيّة الإنسان)، أمّا الرّوح فهي العنصر غير المادّيّ المتّصل بالله وبالأمور الرّوحيّة.
يفتكر البشر بالموت، وهذه حقيقة لا مفرّ منها. كلّ إنسانٍ يعلم أنّ هناك جانبًا آخر غير الجسد والمادّة. يقول رينيه ديكارت “أنا أفكّر إذًا أنا موجود”. أضف إلى ذلك، ملايين البشر الّذين يؤكّدون إختبار أمورٍ روحيّة في حياتهم،كإستجابة الصّلاة مثلًا. يعلّم الكتاب المقدّس أنّ الله خلقنا على صورته وشبهه، والله روح بحسب يوحنا 4: 24. نفخ الله الرّوح في الإنسان عند الخلق، وجعلها خالدةً ترجع إلى خالقها، وهذا ما نستنتجه من حديث يسوع مع اللص التّائب على الصّليب. قال له: “اليوم تكون معي في الفردوس” فيما كان جسده لا يزال على الصّليب ومن ثمّ سيُنقل إلى القبر. يعلّم العهد الجديد أنّ، وحدها، روح الإنسان تعرف أمور الإنسان.
بعد أن رأينا وجود الروح في الإنسان، لا يمكننا إلّا أن نفتكر بأنّ هذه الرّوح ممكن أن تتشكّل وتتغيّر. فكما أنّ الجسد يكبر ويسمن ويتغيّر بشكل دائم (يذهب البعض الى النوادي الرياضيّة كي يغيّروا شكل الجسد)، كذلك أيضًا تتشكّل الروح. هذا يتمّ من خلال ظروف الحياة (المكان، الزمان، الخلفيّة العائليّة، الإجتماعيّة، الإقتصاديّة، الصحيّة…)، وأحيانًا بسبب أفعال الآخرين من حولنا، أو بسبب القرارات الّتي نأخذها. الإنسان لا يقدر دائمًا أن يتحكّم بظروف الحياة، ولا أن يحدّد أفعال الآخرين، لكن ما يمكنه أن يقرّره هي القرارات الّتي يأخذها في حياته. هل أقرأ الكتاب المقدّس؟ هل أصلّي؟ هل أعمل بأمانة؟ هل أحبّ قريبي؟ هل أسلّم الله زمام أمور حياتي؟ أم أنّني سأحيا حسب رغباتي وما يحلو في عينيّ؟ كلّ إنسانٍ يشغل تفكيره بوضع صحّة جسده، وهذا أمرٌ ضروريٌّ. لكنّ قلّة قليلة تفتكر أنّ الجسد فانٍ، أمّا الرّوح فخالدة. الله سيدين أرواحنا، وهذا ما يعطي الأهميّة للتّشكيل الرّوحيّ. وبما أنّ الرّوح غير منظورةٍ ولا ملموسة، فالأفضل هو أن ندع الله يخلّص أرواحنا ويشكّلها من خلال روحه القدوس مثلما يشكّل الفخّاري الطّين بين يديه.