القائد العادل في فلسطين و”بطل مالطا”
خدم الجنرال “وليام دوبي” (1879 – 1964) في الجيش البريطاني إبّان الحربين العالميتين الاولى والثّانية. مُنِح عدة أوسمة على بسالته. وتميّز بحكمته ونزاهته في حلّ النزاعات بين اليهود والعرب في زمن الانتداب البريطانيّ على فلسطين سنة 1929. لقّب ببطل مالطا لدفاعه عنها وتصدّيه للهجوم الايطالي والالمانيّ أثناء حكمه للجزيرة (1940 – 1942). عُرف عنه موقفه المسيحي الصريح واهتمامه بالكتاب المقدّس، حتى قال عنه أحد المحلّلين بعد استطلاع أُجرِيَ حول القادة العسكريّين في 1940 “أنّه أكثر القادة تميّزاً وشهرة، وقد ولد ليكون قائدًا عسكريًّا ومرشدًا روحيًّا في آن”.
اختبار التوبة وزمن الدراسة.
وُلِدَ “وليام دوبي” في مدراس في الهند لوالدٍ موظفٍ من الدرجة الاولى في الخدمة المدنيّة. أُرسِلَ إلى بريطانيا ليترعرع عند أحد الاقارب ويدخل إلى أفضل المدارس. والداه مؤمنان بروتستانتيّان، فاعتاد الذهاب إلى الكنيسة وتعلّم الكتاب المقدس. كتب عن هذه المرحلة: “إنني لم أختبر الحياة الروحيّة العميقة والعلاقة الشخصيّة بالمسيح حتى سنّ الرابعة عشرة بالرغم من تربيتي المسيحيّة ومعرفتي العقليّة لخطّة الله للخلاص”. حصل هذا بعد محادثة مع أحد زملاء الدراسة الذي حاول إقناعه بطلب إختبار التجديد الذي حصل عليه مؤخرًا. كتب “دوبي”: “بعد هذا اللقاء، جعل الله ثقلاً كبيرًا في داخلي وأدركت، بالرغم من أنّني صالح بنظر أصحابي، أنني خاطئ عظيم بنظر الله”. ثم يضيف “أشكر الله الآن لأنه وضع هذا الثقل في داخلي إذ لولا شعوري القويّ ببشاعة خطيّتي أمام الله لما طلبت الرحمة والغفران من المسيح الذي مات على الصليب كفّارة عنّي. المسيح الآن ليس مخلّصي وحسب بل انه أيضًا ربّ على حياتي”.
في قوّة حفظ السلام في فلسطين
تفوّق “دوبي” في الدراسة. واستطاع في سن الثامنة عشرة دخول الأكاديميّة العسكريّة الملكيّة وتميّز. وتدرّج سريعًا إلى رتبة ضابط أركان. ونقل في مهمّته الاولى إلى فرنسا عند نشوب الحرب العالميّة الاولى. كتب “دوبي” عن أهميّة هذه المرحلة في حياته الروحيّة حيث اختبر عناية الله له واستجابته العجيبة لصلواته حتى استطاع إكمال مهامّه بنجاح وحاز على وسام ورُفِّع إلى رتبة عقيد. بعدها انتقل في خدمته العسكريّة إلى مصر حيث اختير لمهمّة حفظ السلام في فلسطين إبان أحداث 1929. وصف “دوبي” تلك المرحلة بالدقيقة جدًّا وبأنّها احتاجت إلى الكثير من التبصّر وعدم المحاباة. إلا أنه تشجّع بتمسّكه بوعد الله في رسالة يعقوب 1: 5 “إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليصلّي إلى الله”. وقد شُهِد له على حكمته وعدله في حلّ النزاعات بين اليهود والعرب في فلسطين في تلك السنة. وشهد على تطاول المستوطنين اليهود وتخطّيهم للحدود الجغرافيّة المرسومة لهم، فأوقف عمليّات الهجرة إلى فلسطين في محاولة منه لوقف الاعتداءات على السكّان العرب الّذين حكم لصالحهم. وكرّمته قيادة الجيوش البريطانية على نجاحاته ورفّعته إلى رتبة جنرال.
وذكر “دوبي،” بالنسبة إلى علاقته بعسكره في فلسطين، أنه وزّع، من خلال جمعيّة الكتاب المقدس، الانجيل على كلّ جنديّ من جنوده في القدس وقد وضع في كلّ نسخة منه ورقة كَتَبَ عليها: “تطأ قدمك الآن أرضًا شهدت أهم حدث مفصليّ في التاريخ هو موت يسوع المسيح على صليب الجلجثة. تستطيع أن تقرأ في الكتاب تفاصيل هذا الحدث. والأهم هو أنك شخصيًّا في صلب هذا الحدث، لأن المسيح مات في هذا المكان عن خطاياك أنت، وقادر على أن يضمن لك خلاصك الأبديّ. دراستك لهذا الكتاب بإرشاد من الله ستقودك إلى هذا الخلاص.”
حاكم مالطا
في 1940، تقاعد الجنرال “دوبي” وعيّن في 1940 حاكمًا على مالطا المستعمرة البريطانية التي تعرّضت أثناء حكمه إلى هجوم الايطاليّين بسبب موقعها الاستراتيجيّ. وكانت إيطاليا قد تحالفت حديثًا مع ألمانيا. ظنّ الايطاليّون والألمان أنّ المعركة سهلة وسيحسمونها لمصلحتهم، خاصّة مع عجز بريطانيا عن إرسال أيّ دعم باستثناء برقيّة تسلّمها “دوبي” عند بدء الهجوم من أحد الجنرالات في بريطانيا من المؤمنين بالمسيح، كتب فيها: “إقرأ تثنية 3: 22” ومدّته تلك الآية بالشجاعة: “لا تخافوا منهم، لأن الرب إلهكم هو المحارب عنكم”.
أدى عدم تكافؤ القوى بـ “دوبي” إلى تشبيه الوضع “بمعركة داوود وجوليات الجبّار”. وسارع إلى تحضير الجيش والمجتمع المدني للدفاع عن مالطا وحرص على رفع معنويّات الجميع، ناقلاً شجاعته وتفاؤله إليهم. ورتّبت زوجته إحدى غرف الاستقبال في قصره الذي تميّز ببساطته لاجتماع صلاة مسائيّ رفع فيه “دوبي” مع الضيوف المشاركين الصلاة للجيش والشعب في مالطا. وأخذ الجنرال يستقبل، بعد الاجتماع، النافذين في مالطا. ومكّنته صلابته من رفض كلّ تملّقاتهم. تساقطت القنابل بكثافة على مالطا لكنّها لم تُسقط إلا عدداً ضئيلاً نسبيًّا من القتلى. وكتب “دوبي” عن هذه الحرب: “لمسنا عناية الله لنا أثناء المعارك إذ ترافق القصف الجويّ دائمًا مع أعلى درجات الاستعداد لجيشنا”. واستطاعت المضادات الجوّية أن تُسقِط عددًا كبيرًا من الطائرات حتى بات النصر حليف مالطا. عندها قلّد السير ونستون تشرتشل، رئيس وزراء بريطانيا يومها، الجنرال “دوبي” الوسام الأرفع ولقبّه بِـ “البطل المدافع عن مالطا”.
المهم أن نختبر خلاص المسيح
انتهت الحرب، فأرسل “وليام دوبي” إلى الكنائس في بلاده يخبرها عن عمل الله من خلال تجربته الخاصّة. وكتب إليها واعظًا: “لم نرجع إلى الله كشعب وأمّة بالرغم من أنّنا لمسنا عظمة رحمته وعدله. وهو، بالرغم من كل ما فعله لأجلنا ما زال بعيدًا عن حياتنا ومرفوضًا من جهتنا. ليت الله يفتح أعيننا لنبصر ويفتح آذاننا لنسمع فندرك مدى بشاعة خطيّتنا ونعود إليه”. وصرّد هذا الرجل العظيم بعد انقضاء سنوات عدّة من حياته: “أشكرُ الله على لطفه ورحمته اللتين منّ بهما عليّ كلّ هذه السنين وأصلّي للجيل المقبل ليعرف المسيح، لأن الأساس يتمثّل في دخول المسيح إلى حياة المرء ويخلصه”.