
أخذت النّساء في البكاء وفي تعزية بعضهن البعض بأنّ كلّ شيء سيعود قريبًا على ما يُرام. وعندما شرعت إحداهنّ في إنشاد أغنية وطنيّة انضمَمنَ إليها وتذكّرنَ الأيّام الّتي مرّت. ثمّ ابتدأنَ سويّة في تحضير أصنافٍ من الطّعام تميّز ذاك الوطن الّذي اضطُرِرنَ إلى مغادرته فجأةً.
نلتقي اليوم بالكثيرين من اللاّجئين السوريّين أو العراقيّين الّذين تركوا بلدهم هربًا من الحرب والمتفجّرات. ونسمع على شاشات التّلفزة عن بعض المسيحيّين الّذين أُجبِروا على مغادرة وطنهم. وقد درستُ، كفتاة أرمينية، تاريخ الأرمن وكيف أُجبِروا على الهجرة. لكن وكما أعاد الأرمن بناء أرمينيا حيثما توجّهوا، فسيؤسّس هؤلاء اللاّجئون يومًا ما بالتأكيد حياتهم الجديدة. وصحيح أنّهم يبكون اليوم ويشعرون بالأسى والحزن لكنّ الحياة ستستمر وسيعملون جاهدين على اكتساب عادات جديدة ليتأقلموا مع واقعهم الجديد.
الحنين هو تذكّر الماضي والعيش فيه. وربّما مدّنا ذلك بشعور من التّشجيع والسّعادة، لكنّ المكوث فيه يُمرِض القلب. وهنا شيٌ قرأته حول الحنين إلى الماضي على موقع “علم النّفس اليوم” على الإنترنت جاء فيه: “عندما يُصاب النّاس بالحنين، فهم يعيشون في الماضي. ففي تلك اللّحظات، يبدو الماضي ورديًّا وباسمًا كما يبدو غالبًا إيجابيًّا وحقيقيًّا أكثر من الحاضر. يمكن أن يكون الحنينُ ناجمًا عن التّفكير بأحداثٍ ماضية أو زيارة الأماكن الّتي زرتها سابقًا أو حتّى عن سماع أغنيةٍ تُعيد إلى ذهنك ذكرياتٍ لأحداثٍ حصلت في الماضي. يبدو واضحًا بأنّه يجعل النّاس يشعرون بتحسّن حاليّ”.
يظهر الأسى والحنين إلى الماضي على وجوه اللاّجئين والكبار في السّن والمشلولين. وأراه على وجهي أيضًا عندما أتذكّر الأيّام التي أمكنني فيها السّير وقيادة السّيّارة والذّهاب إلى العمل، فعندما أتذكّر الماضي أتشجّع أحيانًا وأبكي أحيانًا أخرى ولكن في كلِا الحالتين أرى كيف باركني الله.
مع هذا التّغيير المفاجئ نتغيّر نحن أيضًا. فمن خلال ملازمتي المنزل بسبب المرض، انفتحت عيناي على أشياء جديدة مثل المواظبة على الصّلاة ودراسة كلمة الرّبّ وتعلّم الطّباعة بيدٍ واحدة (بما أنّني لا أستطيع تحريك يدي اليمنى كما من قبل) والقراءة أكثر والتّفكير والرّاحة.
نقرأ في الكتاب المقدّس كيف نَسِيَ الرّسول بولس ما وراءه لأنّ هناك خدمة إلهيّة بانتظاره وهي نشر رسالة الإنجيل (فيليبّي 3: 13). ونقرأ في عبرانيّين الإصحاح 11 عن أبطال الإيمان الذين جاءوا في التاريخ المقدس، ونستنتج بأنّ الله ربّما يهبنا روح الحنين ليذكّرنا بأنّه رفيقنا ووالدنا الّذي لن يتركنا أبدًا وأنّ هذا العالم ليس موطننا.
نشعر اليوم بحنين وتوق إلى مخلّصنا الرّبّ يسوع المسيح، لذا نتمسّك بالأشياء الّتي لا تتغيّر كمحبّته لنا وكلمته الباقية إلى الأبد: “السّماء والأرض تزولان ولكنّ كلامي لا يزول” (متّى 24: 35).