كثير من الناس لا يعرفون معنى كلمة “خلاص” ولا يستخدمونها. وهؤلاء ينقسمون بين من ليس في تربيته الدينيّة كلمة خلاص، ومن لا يولي أهميّة كبرى للموضوع. أمّا من لم يعرف الكلمة، فكيف يطلب ما يجهله؟ فالبعض يظنّ أنّ الخلاص هو النجاة من الضيقات والشدائد على أنواعها. وهنا يطلب مُعظم النّاس من الله أن يُخلّصهم. وهو يُخلّص. أمّا الخلاص من الخطيّة، فهو أمر يبقى بعيدًا عن طلبات مُعظم الناس. أمر الناس عجيب بحقّ أنفسهم! وبين الّذين يعرفون معنى الكلمة ويعرفون أنّ المسيح جاء ليُخلّص البشر، جميع البشر، بما فيهم أنفسهم، مَن يُحوّل نظره عن المخلّص ليُبقيها على خيارات روحيّة تَعِدُهُ بخلاص مرجو دون أن تحثّه على طلب الخلاص الآن ومباشرة من المسيح. وهناك من ينظر إلى ذاته كمُخلِّص قادر أن يُخلّص نفسه بقليل أو بكثير من أعمال البرّ والتقوى التي لا تُنقِذ غريقًا ولا تُحيي ميتًا. ومنهم من لا يطلب الخلاص إذ يئس من إمكانيّة حصوله واعتاد الرزوح تحت عبوديّة الخطيّة، وفي الحياة الكثير ممّا يُلهي عن اتخاذ قرارات كبرى وإن كانت تتعلّق بالحياة الأبديّة.
الخلاص في معناه الأساسيّ خلاص من عبوديّة الخطيّة ومن الموت الأبديّ الّذي تُسبّبه. لقد سقط الانسان من موقعه السّامي بعصيان الله، وانقطع رباطه بالحياة الأبديّة. أمّا وقد انتهى الأمر بالمخلوق في حالة المأساة والعجز الكلّيّ، فكان لا بدّ للخالق أن يعمل خلاصًا يُقدّمه له. فالله لا يقدر أن يُغيّر ما في قلبه من محبّة ونعمة نحو مَن خلقه على صورته. وهو عارف أنّ من تورّط لا يقدر أن يخرج من شرنقته. فالحياة أولاً وآخرًا اختراعه وهِبَتَه، ولا بدّ من تدخّله الشخصيّ لبثّها مُجدّدًا في عروق يبّستها الآثام. ومع هذا القرار الرحوم صار الله مخلّصًا وفي مجيء المسيح تمّ التنفيذ. ومن سبق من أنبياء، ومن لَحِق من رسل، جميعهم بَشَّرَ بالمسيح المُخلّص. لم يكن لدى هؤلاء المُبشّرين أدنى شكّ بالصليب إذ فهموا أنّ فيه تُمِّمَت عدالة الله. فالموت عقاب الخطيّة ومرتكبها. وتواضَع هؤلاء غير سامحين لفكر أو لجهالة أن ترفض طريقة الله لخلاصهم ولم يقترحوا سبلاً أخرى تستبدلها.
عرف الآباء والأنبياء أنّ الخلاص عمل شخص واحد لا سواه. وعرفوا أنّه لا يستطيع أحد أن يستبدل عمل هذا المخلّص بعمل أو بفريضة أو ببشر. الخلاص عمل المخلّص. المخلّص هو الله. الله سيّد لا يُناقش في طرقِهِ، ولا يُعيّب عليها، لا من ملائكة أبرار، ولا من بشر ساقطين. قد أكمل عمله بتجسّده وبفدائه الّذين فيهما أعلن ذاته ورحمته. ولاختبار الخلاص لا بدّ للانسان أن يطلبه لنفسه. هنا يبرز الايمان بالمخلّص والتسليم له السبيل الوحيد لنوال مفاعيل خلاص سبق وأنجزه المسيح مُخلِّص العالم على مذبح الصليب.
على هذا المذبح ذكر المسيح جميع النّاس من آدم وصولاً إلى الّذين يُحبّونه والّذين لا يؤمنون به. لم يُخصّص أناسًا بخلاصه، ولم يرفض آخرين منه. الخيار تُرِك للناس أن يقبلوا الخلاص أو يرفضوه. أمّا الله فيقبل جميع الذين يتقدّمون إليه مباشرة، راجين خلاصه إذ أتعبتهم خطاياهم، ويرفضون الهلاك الأبديّ بسببها. في تلك الّلحظة المباركة، يُسرّ الله بتخليص الانسان، ويفرح المُخلَّص بخلاصه، أو قل بإلهه. ومن رفضوا الخلاص لن يُلزمهم الله به، وسيكون لهم ما أرادوه.