تكثر الكتب الّتي تُعالج موضوع الزّواج، أسباب نجاحه أو فشله، في أيّامنا هذه. فعلى الرّغم من العهود والتّعهدّات المتبادَلة الّتي تحصل قبل الزّواج، إلاّ أنّ الكثير من هذه الزّيجات ينتهي إلى طلاق. فإلى أين نسير في هذا المجال؟
الزّواج هو اتّحاد بين شخصين، يتطلّب جهداً من الاثنين. إلاّ أنّنا في هذا المقال سنُعالج الموضوع من زاوية المرأة فقط؛ فنسأل: هل أنتِ متزوّجة؟ مخطوبة؟ أو تفكّرين بالزّواج يوماً؟ نصيحتي لكِ أن تَسعَي لتكوني الزّوجة المثاليّة لأنّ هذا سيُساهم حتماً في إنجاح زواجِكِ.
بعض الفتيات يحلم بالعريس، وبفستان العرس، وحفل الزّفاف والضّيوف، والورود والصُّوَر… وما هذه إلاّ القشور. وبعضهنّ الآخر يفكّر بما هو أهمّ وأعمق، وبالاكتفاء العاطفي والجنسي والأمومة والصّداقة… ولكن، قلّة قليلة تفكّر بما تُعطي لا بما تأخذ، بالمسؤوليّات لا بالامتيازات. وما من مرجَع أفضل من الكتاب المقدّس لنتعلّم منه مواصفات الزّواج المثاليّ النّاجح، وما المطلوب من الزّوج والزّوجة.
فمع أنّنا نَنعَم اليوم بالمزيد من المال والرّفاهية والتّسلية والكتب وعلماء النّفس والمُرشِدين، إلاّ أنّ النّتيجة لا تتحسّن، بلْ تزداد سوءاً؛ والسّبب يعود إلى كوننا نجهل رأي الكتاب المقدّس في موضوع الزّواج، أو نرفضه لأنّه لا يتماشى مع الأفكار العصريّة. هنا لا بدّ من السّؤال: هل فعلاً نريد أن نعرف رأي الكتاب المقدّس، أي رأي الله شخصيّاً؟ وهل نحن مستعدّات لطاعته؟ هل نؤمن أنّ الله أحكم من النّاس ويعرف ما هو الأفضل لنا، أليس هو مؤسّس الزّواج والعائلة، وبالتّالي فهو أفضل مَن يعرف كيف يُصان الزّواج؟
فما هي إذاً مواصفات الزّوجة المثاليّة؟ قد نقول: إنّها الزّوجة الحكيمة، الإداريّة، المثقّفة، المُحِبّة… الخ. كلّها أفكار صحيحة ومهمّة، وغير مختَلَف عليها. إلاّ أنّنا سنبحث هنا في المواصفات الحسّاسة.
أوّلاً: الزّوجة المثاليّة مُعِينة لزوجها. قال الله عندما خلق آدم: “ليسَ جيِّداً أن يكونَ آدمَ وحدَه، نخلُق له مُعِيناً نَظيرَه.” بعضهم ينظر إلى دور المعين كالأدنى، والأقلّ في الكرامة، وذلك عن غير وجه حقّ؛ فالزّوجة مكمِّلة لزوجها، وهي تعينه في كلّ ظروف الحياة لأنّه هو مَن يحتاج إليها، فهو
عند الغضب، يحتاج إلى من يهدّئه
وعند الحزن، يحتاج إلى من يعزّيه
وعند الفشل، يحتاج إلى من يشجّعه
وعند الملَل، يحتاج إلى من يسلّيه
وعند الحاجة، يحتاج إلى من يُسانده
وعند الفراغ، يحتاج إلى من يملأ حياته
وعند الفرح، يحتاج إلى من يشاركه
وعند الفتور، يحتاج إلى من يصلّي لأجله
وعند الخدمة، يحتاج إلى من يرافقه
ليس الزّواج أن يعيش الإنسان لذاته بل للآخر، إذ يفشل عندما يتّصف بالأنانية. والزّوجة المتّزنة والرّاجحة العقل هي خير معين لزوجها في كلّ ظروف الحياة، بخاصة إذا كانت مميِّزة للأمور، وحكيمة ومتجرّدة في تفكيرها. هي خير من يحكم على زوجها، ويعرفه حقّ المعرفة.
ثانياً، الزّوجة المثاليّة هادئة ووديعة. ما أكثر الاهتمام بالجمال الخارجي اليوم، لكنّ فكر الله عن الجمال مختلف كلّياً؛ “فالرّوح الوديع الهادئ هو قدّام الله كثير الثّمن”. أمّا في مفهوم اليوم، فهو ضعف شخصيّة مع أنّه أصعب من الرّوح الغضوب. فما أسهل أن ينجرف الإنسان بمشاعره ويقوم بردّات فعل مبالغ فيها، وما أصعب ضبط النّفس؛ فالمسيح قال عن نفسه: “تعلّموا منّي لأنيّ وديع ومتواضع القلب، فتَجِدوا راحةً لنفوسِكم”، هذه إحدى صفات ربّنا المميَّزة الّتي نحتاجها.
فالمرأة الهادئة قويّة، قويّة على ذاتها، وعلى طباعها، وعلى مخاوفها، وعلى انفعالاتها، وعلى شكوكها، قويّة في إيمانها وتسليمها للرّب. نساء اليوم يهتممن بجمالهنّ ليكون نَضِراً، وببشرتهنّ لتبدو شابّة ويانعة، وبشعرهنّ ليبدو برّاقا مُلفِتا للنّظر، وبأجسادهنّ لتكون نحيلة وبثيابهنّ لتكون أنيقة ومتناسقة. وقد يصرفن المال الكثير لهذا الهدف! لكن، ماذا يفعلن للجمال الدّاخلي والحقيقي، وللإنسان الخفي والحقيقي؟ إنّ هذا الهدوء يحوّل البيت إلى جنّة، ويؤمّن للزّوج مكاناً يحبّ العودة إليه في كلّ حين. يقول سفر الأمثال: “إمرأة فاضلة مَنْ يجدها، لأنّ ثمنها يفوق اللآلئ”.
ثالثاً، الزّوجة المثاليّة هي خاضعة ومحترمة زوجها. الخضوع يعني اليوم الرّجعيّة والتّخلّف، أمّا الرّبّ فيقول: “لتَخضَع النّساء لرجالِهِنّ كما للرّبّ”. ليس المقصود بهذا الخضوع خضوع العبيد، إنّما الخضوع بدافع المحبّة والاحترام. فحاجة الرّجل إلى الاحترام توازي حاجة المرأة إلى العاطفة والمحبّة. يقول الوحي المُقدّس: “أمّا المرأة فلتَهَبْ رجلها”. وهذا لا يعني أنّ المرأة لا يهمّها الاحترام، ولكنّ هذا الأخير مرتبط بشكل أساسيّ بشعور الرّجل برجولته، وبثقته بنفسه، وباندفاعه للعمل، وبحبّه لعائلته وتفانيه لأجلها.
تظنّ المرأة أنّ على الرّجل أن يحصّل احترامها له، “إذا فعل كذا وكذا… أحترمه.” لكنّ هذا الكلام لا يُطابق رأي الرّبّ إطلاقاً. على المرأة أن تحترم زوجها، أي أن تحترم مقامه ودوره في البيت، وموقعه أمام الأولاد والنّاس، أن تُعلي من شأنه لا أن تصغّره وتحقّره. سارة زوجة إبراهيم، مدحها الرّبّ لأنّها كانت تدعو إبراهيم “سيّدها”، وأمرنا أن نتمثّل بها. هذا الاحترام سيعود على كلّ زوجة بالحبّ الجزيل والاحترام المتبادل والتّقدير. نحن نحترم أزواجنا لأنّنا في هذا، نُطبّق إرادة الله الفضلى لنا. ليس هناك ما هو أسوأ من سماع امرأة تتكلّم على مساوئ زوجها أمام النّاس، فهي بذلك تسيء إلى صورته وتنزع احترامهم له. طبعاً لا مانع من أخذ مشورة أحدهم إذا احتاجت إلى ذلك بشرط أن تهدف هذه المشورة فعلاً إلى البنيان والإصلاح، وإلاّ فإنّها تسيء إلى زوجها وإلى نفسها في آن لأنّهما واحد.
رابعاً، هي زوجة له للأبد. كثيراً ما نختار الطّريق الأسهل، طريق الهروب من المواجهة مع الصّعوبات والتّحدّيات. إنّ النّساء، اليوم، في سعيهنّ الدّؤوب للمساواة ولتحقيق ذواتهنّ، ينسَين أهمّ شيء هنّ بحاجة إليه، وهو الالتزام بطاعة الرّبّ أوّلاً وبطاعة الزّوج ثانياً.
“ما جمعه الله لا يُفرِقّه إنسان”: هذا هو المبدأ الإلهيّ. لقد ارتبط الله بالإنسان بعهد مقدّس أبديّ، وكذلك الزّواج شُبِّه باتّحاد المسيح بالكنيسة؛ فإيّانا وخيانة الأمانة والالتزام، فالأزواج عندما التزموا بمبادئ الرّبّ، كانت النّتيجة زيجات ناجحة، وسعادة حقيقيّة متبادلة، واكتفاء نفسيّاً، وإخلاصاً وتفانياً، ورغبة في التّضحية من أجل الآخر، وأولاداً أصحّاء، والأهمّ بيوتاً تمجّد الرّب. أمّا عندما انحرفوا أو ابتعدوا عن هذه المبادئ الإلهيّة، كانت النّتيجة زيجات فاشلة، وبيوتاً مهدّمة، وطلاقات متكاثرة، وأزمات نفسيّة، وأولاداً مضطربين، وفراغاً عميقاً، وآلاماً وأحزاناً.
أخواتي السّيّدات، يجب أن نقيّد أنفسنا بما يعلّمنا إيّاه الرّبّ كزوجات “متعاهدات مع الله”، كزوجات صالحات مثاليّات، وأن نُعين أزواجنا، فنقدّم لهم الاحترام والخضوع المطلوبَين بروح وديعة هادئة، ونُخلِص لهم للأبد. ولنتأكّد من أنّ النّتيجة ستكون حتماً: سعادة، وسلاماً، وبركة ومجداً الله.