“أمّ اخبار” هذا لقبُها وهكذا هي! هي مستودعُ المعرفةِ ففي حوزتِها ملفّاتُ الحيّ بأكملِهِ. تعرفُ لماذا فسخَ ابنُ جارِنا خطوبتَه من إبنةِ المختارِ، وكم دفعَتْ “سميرةُ ” (إسمٌ مستعارٌ) من المالِ لعلاجِ ابنِها المصابِ بمرضٍ خبيثٍ وتفاصيلَ سهرةِ العرسِ التي حصلتْ في ساحةِ الضّيعةِ ليلةَ البارحةَ. باختصارٍ، أنتَ تسألُ وأمُّ اخبار تُجيبُ…
لا بدّ وأنتَ تقرأُ هذهِ السّطورِ أنّكَ شعرْتَ أنّني أتحدثُ عنْ أحدِ تعرفُه ف “أمُّ أخبار” هذهِ موجودةٌ في كلِّ مجتمعٍ وفي كلِّ عائلةٍ، في مراكزِ العملِ وفي دورِ العبادةِ أيضًا. تراها تجولُ من مكانٍ لآخرَ، بكلِّ حماسةٍ، ملتقطةً ما تيسّرَ لها من أخبار من خلفِ جدرانِ المنازلِ وعلى طاولاتِ المقاهي وفي المتاجرِ لتظفرَ أخيرًا بِسَبقٍ صُحفيٍّ حصريٍّ يستحقُّ المشاركةَ مع الآخرينَ.
إنّ التسميةَ التي يطلقُها الكتابُ المقدّسُ على أمثالِ “أمّ اخبار” هي النمّامُ. قالَ جوزيف كونراد “لا يدّعي أحدٌ أنّه يحبُّ النّميمةَ ومع هذا يستمتعُ بها الجميعُ”، كيفَ لا؟ فسليمانُ الحكيمُ يصفُها “بِلُقَمٍ حُلوةٍ تنزلُ إلى مَخَادعِ البطنِ” (أم 18: 8). لقد ألِفنا في مجتمعِنا هذه العبارةُ المُخيفةُ التي يردّدُها النمّامون: “مقلاية مين بدنا نركّب اليوم؟” فعندما يشعرون بالمللِ يُرفّهون عن أنفسِهم بتناولِ وجباتٍ خفيفةٍ من قصصِ النّاسِ المُخزيةِ وكأنّ جلساتِهم لا تحلو إن لم يقوموا بإحضارِ ضحاياهِم على مذبحِ كلماتِهم السّامةِ والمميتةِ. هم توّاقونَ لاغتيالِ الناسِ من بعيدٍ والقنصِ عليهم عندما لا يكونُ لديهم أدنى فكرةٍ أنّهم في خطرٍ مُحدقٍ منهم. النّمامُ هو شخصٌ مخدوعٌ بفكرةٍ غبيةٍ مفادُها أنّ هدمَ شخصٍ آخرَ وتحطيمُه سوفَ يبنيهِ، فهو ينشرُ أخبارَه السيّئةَ التي قد تكونُ صحيحةً وقد تكونُ مُخْتَلَقةً ويمضي في سبيلهِ فرحًا ومعتزًا بما أنجزهُ.
النّميمةُ ليستْ مجرّدَ كلامٍ يتصاعدُ في الهواءِ أو كما يعبّرُ بعضُهم بالقول: “الكلامُ ما عليه جُمرك” فقد كتبَ البشيرُ متّى في الكتابِ المقدّسِ بوحيٍ من اللهِ أنّنا سنعطي يومَ الدّينَ حساباً عن كلّ كلمةٍ بطّالةٍ نتكلّمُ بها وأنّنا بكلامِنا نتبرّرُ وبكلامنا نُدانُ (متى 12: 36-37). النّميمةُ هي خطيئةٌ والنمّامونَ هم فئةٌ من الّذين يقعونَ تحتَ غضبِ اللهِ (رومية 1: 30-32). كم من علاقاتٍ دُمّرتْ بسببِ سوءِ تفاهمٍ بدأَ بنميمةٍ وكمْ من موظّفٍ طُردَ من عملِه بسببِ لسانٍ ثالبٍ وكم من أزواجٍ تفرّقوا بسببِ نساءٍ بطّالاتٍ يَطُفْنَ في البيوتِ ك”أمِّ اخبارٍ” و”لسْنَ بطّالاتٍ فقطْ بل مُهذراتٍ أيضًا وفضوليّاتٍ يتكلّمْنَ بما لا يجبُ” (1تي 5: 12-13). النميمةُ ألقَتْ بيوسفَ في البئرَ والفتيةُ الثّلاثةُ في أتونِ النّارِ ودانيالَ في جبّ الأسودِ وهي إلى الآنَ تحاولُ قتلَ آخرينَ من خلالِ القضاءِ على سمعَتِهم وشرفِهم ومكانتِهم وسْطِ النّاسِ.
إنّ ما يحصلُ اليومَ في الكنائسِ من خصوماتٍ ونزاعاتٍ له عدّةُ أسبابٍ ولا عجبَ أنْ تكونَ النّميمةُ على رأسِ القائمةِ. اعتادَ المؤمنونَ “الفضفضةَ ” لبعضِهم البعضِ وهم بذلك ينمّونَ بدونَ الشعورِ بألمِ التّبكيتِ، فهي بالّنسبةِ إليهم مجرّدُ مشاركةٍ بهدفِ الإرتياحِ. نعم، إنّها كذلك عندما نختارُ شخصًا واحدًا لنشاركَهُ بما لدينا ونأخذُ بمشورتِه تفاديًا للوقوعِ في الخطيئةِ ولكنْ حينَ تصبحُ هذه الفضفضةُ شموليةً تطالُ جميعَ من حولنِا سيُصابُ الضّحيةُ بدلَ الرّصاصةِ الواحدةِ بعدّةَ رصاصاتٍ وبذلك تكونُ قد تمّتْ عمليةُ القتلِ بنجاحٍ. النّميمةُ في الكنائس خطيرةٌ خطورةَ مرضِ السّرطانِ الخبيثِ الّذي يبدأُ بخليّةٍ واحدةٍ ثم يفْتِكُ في الجسدِ كاملًاً، كذلكَ النميمةُ تبدأ بمحادثةٍ واحدةٍ ثم تفتكُ في جسدِ المسيحِ (الكنيسة) كاملًا.
إنّ تجربةَ النّميمةِ ليستْ سهلةً واللقمةُ اللذيذةُ المعروضةُ ستستمرُّ في جعلِ لُعابِكَ يسيلُ لكنّ الرّبّ قادرٌ أن يساعدَك في مقاومتِها. يا ليتنا نغلقُ أفواهَنا عن كل ّكلامٍ هدّامٍ ونتكلّم فقط بكلامٍ صالحٍ للبنيانِ لمجدِ المسيحِ وخيرِ الآخرين.