ماذا يجتاحك عندما تصادف شخصًا ما لديه ميول او تصرفات معينة الا تتساءل في نفسك هل هو رجل أو امرأة؟
هذا ما حدث معي في إحدى المرّات عندما صادفت شابًّا في أحد النّوادي الرّياضيّة، كان مقتنعًا ويتصرّف أمام الملأ كالفتيات شكلاً ومضمونًا وأسلوبًا، فيرتدي ويتكلّم ويشعر مثلهنّ. كان يخاطبني بلغة أنثويّة، في حين كنت أفكّر في داخلي على مَن يقع اللّوم وما هي الأسباب الّتي أوصلت هذا الشّابّ، وغيره من الشّباب والشّابّات، إلى الشّذوذ الجنسيّ؟
في الحقيقة، في كثير من الأحيان تعود جذور المشكلة إلى نشأة الولد في منزل أهله، بين أب وأمّ مشوّشي الأفكار والأدوار، أو بين والد خنوع وأمّ متسلّطة تفرط في تدليل ابنها، فتُلبسه وتُعامله كالبنات في حين لا يرى مثال الرّجولة في والده لكي يتمثّل به. أو قد يكون الوالد قاسيًا في تربيته لأولاده فينمو الولد متشبّها بوالدته رافضًا دوره الذّكوريّ. في حين تتأثّر الفتاة وتنفر من قساوة والدتها فتميل إلى أن تصبح مثل والدها، وقد يساعد على تعزيز هذه الميول المنحرفة رفضها لشكلها الخارجيّ وعدم انجذاب الشّباب نحوها فتتحوّل بذلك إلى الفتيات وترغب في مرافقتهنّ. إلاّ أنّ السّبب الأخطر وراء المثليّة الجنسيّة يكمن في رغبة الإنسان في التّمرّد على الطّبيعة البشريّة والإرادة الإلهيّة، بحجّة التّطوّر والحقّ في الحريّة الجنسيّة، طالما أنّه، في نظره، لا يتعدّى على حريّة الآخرين.
للأسف، وعلى الرّغم من علامات الشّذوذ الواضحة الّتي تظهر على الولد من خلال طريقة لعبه ورغبته في ارتداء ملابس أمّه ونفوره من الجنس الآخر حتّى في سنّ المراهقة، فإنّه من الشّائع أن يظنّ الأهل أنّ المشكلة سوف تزول مع الوقت ويستعملون عبارات مثل “غدًا يكبر ويتغيّر”. إلاّ أنّ الواقع يقول إنّ هذا النّوع من المشاكل لا يزول، بل يتفاقم في حال عدم إيجاد الحلول له، بخاصّة عندما يدخل الولد إلى المدرسة حيث يُلاقي التّعيير من رفاقه الّذين يبتعدون عنه فيتخلّف دراسيًّا ويرسب. بعدها تبدأ الاضطرابات النّفسيّة بالظّهور، ولا يعلم أهله أنّ علاجه يصير صعبًا بل مستحيلاً بشكل خاصّ بعد أن يبلغ سنّ العاشرة أي بعد تكوينه لشخصيّته وتحديده لميوله ومبادئه. لذا، من الأفضل التّوجّه نحو العلاج المبكّر عبر استشارة طبيب الغدد والهرمونات عند الشّكّ في مشكلة عضويّة ما، أو استشارة أخصّائي نفسيّ موثوق به، بغية تدارك الأمر للحؤول دون تبنّي الولد خياره الشّذوذ الجنسيّ.
يبقى أن يسلك الأهل الطّريق الأسلم في تربية أولادهم عبر وقايتهم من هذا الخطر المحدق بهم، ومعرفة كيف يمارس كلّ من الأب والأمّ دورهما بتوازن في حياة الطّفل مع مراقبة دقيقة لمعاشراته الّتي قد تكون من النّوع السيّئ الّذي يُفسِد الأخلاق الجيّدة. فيبتعدون عن التّعاطي مع المشكلة بغضب لأنّ الولد، على الرّغم من خطئه، يجهل معنى هذا الخطأ وعواقبه عليه في المستقبل، فالغضب لن يغيّر الواقع كما أنّ اللّوم يترك في نفس الولد شعورًا بالنّقص والحقارة ويلفت انتباهه إلى المشكلة. أمّا التّظاهر بعدم الانتباه أو اللامبالاة أمام الطّفل فهو الأنسب لعدم إحراجه، مستعيضين عن ذلك بإرشادات حول الثّقافة الجنسيّة من خلال تعريف الطّفل الفروق بين الجنسين والعمل على أن يتبنّى هويّة جنسيّة سليمة. ثمّ على الأهل البدء بالبحث عن العلاج، إذ أنّه لا يجب استبدال التّدقيق في المشكلة وإيجاد الحلّ بالعقاب، ففي أغلب الأحيان يكون الخطأ هو خطأ الأهل لذلك يجب تدارك التّقصير.
في يومنا الحالي، هناك شرور ومفاسد فرضت نفسها مع تدهور القيم والأخلاق وانقلاب المقاييس، حتّى في المجتمعات الشّرقيّة حيث الرّأي العامّ لم يعد يستهجن هذا النّوع من الانحرافات، فكثرت التّبريرات وتنوّعت. ومنهم مَن يُلقي اللّوم على الأهل وإهمالهم وعلى الأمراض النّفسيّة والاضطرابات الهرمونيّة أو على تحرّر المجتمع وانفتاحه على العالم الّذي يُمجّد الحريّة الجنسيّة والخروج عن الرّوتين والمألوف، غافلين عن أنّ الله قصد أن يخلق الإنسان منذ البدء ذكرًا وأنثى وأراد لهما هذا التّمايز في التّكوين الجسديّ والنّفسيّ والفكريّ (تكوين 1: 28).
أمّا نظرة الكتاب المقدّس فواضحة في اعتبار هذه الانحرافات خطايا تستوجب الدّينونة: “لا زُناة ولا عَبَدة أوثان ولا فاسِقون ولا مَأبونون ولا مُضاجِعو ذكور… يَرثون ملكوت الله”(1كورنثوس 6: 9-10). وأيضًا مكتوب: “ولا تُضاجِع ذكرًا مُضاجَعَة امرأة. إنّه رِجْس” (لاويين 22:18). ويُحرّم الله لبس ثياب الجنس الآخر (تثنية 22: 5). فالله لم يخلق الإنسان ليكون شاذًّا جنسيًّا، بل إنّ الإنسان نفسه يصبح كذلك بسبب خطيئته ونتيجة لاختياره الخاطئ. وإن تحجّج بعضهم بأنّهم وُلدوا بدوافع جنسيّة نحو مَن يُشابهونهم جنسيًّا، إلاّ أنّه عليهم أن يختاروا بين الخضوع لتلك الدّوافع أو التّغلّب عليها. لا يُبقي الكتاب المقدّس المثليّين في بالوعة اليأس من استحالة خروجهم من نفقهم المظلم والمتَّسِخ، كما يفعل الفكر الانهزاميّ المُعاصر، بل يدعو جميع الخطاة إلى الحريّة الحقيقيّة بيسوع: “فإنْ حرَّرَكُم الابن فبالحقيقة تَكونون أحْرارًا” (يوحنّا 8: 36).
ومن جهة أخرى، إنّ هذا الواقع المرير لا يعطي الأصحّاء والمؤمنين الحقّ المطلق في نبذ الّذين يعانون هذه المشكلة وتحقيرهم وأذيّتهم، بل يدفعهم إلى التّمسّك بالمبادئ الأخلاقيّة الإلهيّة ورفض المبادئ الخاطئة لا الأشخاص الخاطئين الّذين يحتاجون إلى المسيح الشّافي والمخلّص من أيّ مرض أو خطيئة كالمثليّة الجنسيّة الّتي تتغذّى على المفاسد الأخلاقيّة.