عُومِلَت المرأة بالازدراء والتَهميش والاستغلال في حِقْبات مُتنوِّعَة ومُجتمعات عديدة. وقد لحقها الظّلم في حياتها الفرديّة والزَّوجيّة وطالها في أعزِّ ما عندها. تنظر المسيحيّة إلى المرأة كخليقة الله المباشرة كما هو آدم. وتنظر إليها كمساو للرّجل في الكرامة وتتكامل معه في الحياة وفي الوظيفة الجنسيّة. وإن كانت المرأة عانت طويلاً للحصول على حقوقها المدنيّة والسياسيّة والمهنيّة في المجتمع، إلاّ أنَّ الخالق أكرمها بأَن اختار أَن يتجسَّد الكلمة الأزليّ من امرأة هي العذراء مريم لخلاص البشريّة (غلاطية 4: 4).
ذكرًا وأنثى خلقهم
أمّا النّص الأساس الذي يَبني الإيمان المسيحيّ نظرته نحو المرأة عليه فهو ما جاء في سفر التكوين حيث يورد ما قاله الله:
“فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ.” (تكوين 1: 27-28).
وفي هذا النصّ نرى أنّ الله خلق المرأة كما الرَّجل على صورته، وصمَّم للمرأة أَن تكون شريكة الرّجل في العمل والسّلطة وتأمين استمراريّة الحياة، إذ “قالَ الرَّبُّ الإِلهُ: لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ.” (تكوين 2: 18). وبينما ندرس هذا النصّ المقّدس لا نرى فيه محوًا للفروقات بين الرّجل والمرأة، بلْ يحافظ عليها ويحفظ لهذه الفروقات كرامَتها.
وإن كانت المرأة تتساوى مع الرّجل في القيمة الرّوحيّة والانسانيّة والاجتماعيّة أمام الله في العهدَين القديم والجديد، إِلاَّ أنَّ الوحي المقّدس حفظ لها كرامتها في الزّواج كشريك في كافّة دوائر الحياة ومنها الشّراكة الجنسيّة التي نظر إليها نظرة تكريم شديد تضمَن بعهد مقدّس يحمي المرأة من أَن تكون مجرّد أداة لذّة أو وسيلة إنجاب وحسب. فينظر “الكتاب” إلى الجنس كعنصر ملازم للمحبّة والفرح والحياة المشتركة والاتحاد والتشاور والاحترام وتحمُّل المسؤوليّة والتعاون بين الزوجين. وهكذا لا ينظر الإيمان المسيحيّ إلى المرأة كشيء جنسيّ أو كوسيلة لمتعة الرّجل، بل هي شريكة وإنسان ثمين في نظر الله ولها دورها المميّز في حياة زوجها وفي إنجاب الأطفال وتربيَتِهم وتؤثّر بشكل مباشر في مسارهم الأرضي والخلاصيّ. حتّى أنّ الكتاب يقول: “اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ مَنْ يَجِدُهَا؟ لأَنَّ ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآلِئَ. بِهَا يَثِقُ قَلْبُ زَوْجِهَا فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى غَنِيمَةٍ.” (أمثال 31: 10-11).
والمسيح احترم المرأة وحاورها وقبل خدمتها ورفع مقامَها في مجتمع استغلّها وأدانها وقَسا عليها. ولم يسمحْ لتلاميذه ولا للآخرين أن يذلّوها ويستعبدوها كما كان يحصل في البيئة اليهوديّة يومها، بل أسّس لنظرة جريئة كرّمت المرأة وحرّرتها وساوتها في إنسانيّتها مع الرَّجل. وقال إنّ اللهَ منذُالبدء خلقهما معًا ليترك الرّجل أباه وامّه ويلتصق بامرأته ليكونا جسدًا واحدًا (متى 19: 5).
وهذا ما عبّر عنه الرسول بولس فيما بعد عندما قال: “لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (غلاطية 3: 28). هذه المساواة في المسيح لا تُلغي الفروقات بين الرّجل والمرأة، فهي واضحة في بنيتهما المتمايزة فيزيولوجيًّا ونفسيًّا. لكنْها تؤكّد مساواتهما في الكرامة وقيمة الحياة. ويؤكّد الوحي المقدّس أنّ التمايز الجنسيّ بين الرّجل والمرأة هو لخيرهما معًا. فالمرأة مساو ومعين للرّجل بِحَسب الخطّة الأساسيّة للخلق (تكوين 2: 18). وقد علّقَ الأسقف واللّاهوتي بطرس لموبارد في العام 1157 “أنّ الله لم يأخذ المرأة من قدم آدم لتكون أمته ولا من رأسه لتكون سيّدته بل من ضلع صدره لتكون شريكته”. وهما معًا، بتمايزهما وبتكاملهما، يؤمّنان استمراريّة الجنس البشريّ
موقع المرأة في البيت الزوجيّ
أمّا الرّسول بولس إن حكى عن كون آدم خُلِقَ أولاً (1تيموثاوس 2: 13؛ 1كورنثوس 11: 8) فهذا صحيحٌ من نحو الأسبقيّة بالوقت، وإن شكّل قول بولس معضلة للإنسان المعاصر في فهم الآية القائلة: “أنَّ المرأةَ خُلقتْ من أجلِ الرّجلِ” (1كورنثوس 11: 9) فلا بدَّ من التّوضيح أنَّها خُلِقتْ لتشاركه حياته وعمله وبيته. هي الزميلة له في المخطّط الإلَهي.
وفيما يختصّ، بتعليم الرّسول بولس عن رئاسة الرّجل للمرأة وخضوعها له في البيت الزّوجي في (1كورنثوس 11: 3؛ أفسس 5: 22-24)، فهو قصد أنّ هذا الخضوع هو كخضوع الجسد للرأس، أو الكنيسة للمسيح، ولا يوجد في كلامه هذا أيّة دلالة لخضوع الأدنَى للأعلى منه. وقد حدّدت القوانين الكنسيّة المبنيّة على النّص الكتابيّ أنّ رئاسة العائلة أُسندتْ إلى الزّوج. أمّا طاعة المرأة لزوجها فهي طاعة روحيّة في الأمور المباحة دون أَن تُكرَه الزّوجة على أمور لا يطلبها منها الله! ويظهر في هذا التّعليم مفهوم الانتماء المتبادل والتعاون الضروريّ الذي يحتاجه الرّجل والمرأة في زواجهما، والّذي بسببه يأتي تسليم الجسد للشّريك الزوجيّ الذي يُحبّه ويهتمّ بهِ ويُنمّيه: “كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ.” (أفسس 5: 28-29). وفي هذا المعنى نفهم كلام بطرس الرسول أنّ المرأة هي كالاناء الأضعف من الرّجل، أيّ أنّها تعيش كأنثى في رعايته ودلاله وتنعمُ بحنوّه وبحمايته، لِذا تستحق تكريمَه: “كَذَلِكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ مَعَ الإِنَاءِ النِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً كَالْوَارِثَاتِ أَيْضاً مَعَكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ، لِكَيْ لاَ تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ” (1بطرس 3: 7).
ومقابل الحديث المتنامي عن حريّة المرأة منذ الستينيّات من القرن الماضي، تُقدّم المسيحيّة نظرة مُتّزنة للمرأة الحرّة بالمسيح لكن غير المتحرّرة من دورها الأساسيّ الملازم لكيانها، بل تعمل على تطوير نفسها وتستخدم مواهِبَها وتقف في المجتمع البشري ككائن مُحترم، لكنَّها في آن لا تَنحى بعيدًا عن أُنثويَّتِها لتتبنّى ذكوريّة ليست لها. فليس المطلوب أَن تصير المرأة “ذكرًا” بطريقةٍ ما! كما ليسَ مقبولاً أن يصير الرّجل “أنثى” بأيّ شكل! بلْ المطلوب أن يعيشا معًا في تكامل زوجيّ فيه يُقدّم أحدهما للآخر من خصائص طبيعتِه التي أعطاهُ إيّاها الله ليكونا معًا برفقة طيّبة وسعيدة. وهذه لا تتأمّن إلاّ في جوّ التكامل بين الرّجل والمرأة المُدركَيْن لهويَّتِهِما ولدورهما الطبيعي المُعطى لكلِّ واحد منهُما.
المرأة وانجاب الأطفال
وهنا ننتقل لموضوع الانجاب والصحّة الانجابيّة والشراكة بين الرّجل والمرأة في إعطاء الحياة لنسل يكون ثمرة علاقتهما الزوجيّة. حيث لا تنظر المسيحيّة إلى الانجاب خارج الزّواج نظرة الرّضى. فأيّ حمل وإنجاب خارج الزّواج، يُورّطُ الطّفل بوضع غير صحّي يضعُه بكنف أمٍّ عزباء أو شخصين متساكنين أو أحدِ الأقارب أو مأوى مُتخصّص لا يجعلُه يهنأ بالسّلام والاستقرار النّفسيّ والعاطفيّ والمادّي الذي يحتاجه. وتُشدّد المسيحيّة على نقاوة الحياة الجنسيّة وممارستِها ضمن زواج دائم يهدف إلى إنشاء عائلة (متى 19: 6؛ مرقس 10: 9؛ لوقا 16: 18؛ رومية 7: 2-3؛ 1كورنثوس 7: 10-16).
وبالواقع والاختبار البشريّين يُعاني الأطفال المولودون خارج الزّواج الكثير من جرّاء وضعِهم غيرِ السّويّ. ولمعالجة الصحّة الانجابيّة نبدأ أولاً بالقول أَنّ الله أعطى الجنس لسعادة الزوجين ولاستمرار النّسل البشريّ. لذا لا يُستخدم الجنس بدون مسؤوليّة ولمجرّد المتعة الفرديّة الأنانيّة. بل هو هبة السماء للزوجين يختبرانِه ضمن عيشة مشتركة كاملة، أي لا شراكة جنسيّة دون شراكة في كافّة نواحي الحياة.
ومن هنا ننطلق للبحث في الانجاب الصّحيّ الذي يبدأ في عائلة شرعيّة مُسَلَّم في وجودها في المجتمع والكنيسة. والزواج المسيحيّ لا يكون قانونيًّا ما لم يكنِ الفريقان أهلاً للتعاقد وموافقَيْن بإرادة حرّة وواضحة وصريحة، ومُدركين عقليًّا لجوهر الزّواج ومفاعيله وراضِيَيْن رضىً تامًّا ومتبادلاً بالتّعاقِ الزّوجي وتقديم كلِّ واحدٍ منهُما ذاتَه للآخر لاقامة الزواج.
ويهدف التعليم المسيحي إلى حمايَة الأمّ من الأمراض المتناقلة جنسيًّا، وذلك عبر أمانة الزّوج لها، “لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا الْعَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ.” (عبرانيّين 13: 4). وقَدْ حلّل المسيح الطلاق في حال الخيانة الزوجيّة المستمرّة (متى 5: 32). هذا هو المبدأ الأساس الذي ينطلق منه المفهوم المسيحيّ للجنس والعائلة.
المسيحيّة والصحّة الانجابيّة
وبينما يمنع العهد القديم الزواج من أقرباء مُقرّبين جدًّا مثلَ الزواج من أقرباء الدرجات الثّانية (الزواج بين الأخوة، والزواج من ابنة الأخ أو الأخت) تُفضّل الكنائس الكاثوليكيّة أيضًا عدم الزواج منَ الأقارب حتى الدرجة الرابعة، مثلَ الزواج بين أولاد العمّ والعمّة والخالة. أمّا هذا التّحريم فهو ليَضمنَ إنجابًا صحّيًّا لأطفال أصحّاء وللمحافظة على سلامة النسل وتوسيع صلات القرابة بين النّاس. وتُحلّل بعض الكنائس الزواج من أولاد العم والخال في بعض الحالات الخاصّة. وتلتزم جُميع الكنائس المسيحيّة بالقانون اللبناني رقم 334 والصادر بتاريخ 18/5/1994 والّذي يفرض على المرشحين للزواج ابراز شهادة صحيّة تؤكّد خلوِّهما من الأمراض والاعاقات التي تحول دون زواجِهما وتُعرّض الزّوجة للموت في حال الحمل والولادة أو تُعرّض الأطفال المولودين من الزواج لمشاكل صحيّة نتيجة أمراض والديهم السابقة.
ومن أجل صحّة انجابية سليمة ندخل مباشرة في ظروف نشأة الجنين أو قيام الحَمل. فهو مرتبط بالحياة الجنسيّة للزوجين. ولذلك يرفض التعليم المسيحيّ الممارسة الجنسيّة المأخوذة بالقوّة وبالعنف أو تحت التهديد. وهذه قد ينشأ عنها ولادة تأتي بطفل إلى بيت يعيش ظروفًا قاسية تُهدِّد سلامته، قبل الولادة وبعدها وتجعل حياته صعبة للغاية. وهكذا يُعلّم الإنجيل أن لا يتسلّط الرجل أو المرأة على جسده، بل تكون السلطة للآخر، لذلكَ لا امتناع في الجنس ولا يأخذ أحدُهم الآخر إلاّ بعد موافقته (1كورنثوس 7: 3-4). هنا نَرى أنّ الجنس ليس مُجرّد عمليّة جسديّة تؤخذ كيفما كان. بل بأجواء المحبّة والرّضى وتَسبقُها الصّلاة حتّى!
وإذْ نحكي عن الصحّة الإنجابيّة، لا بدَّ أن نحكي عن سنِّ الفتاة والشّاب في الزّواج. وقد حدّدت الطوائف الكاثوليكيّة أن يكون الشّاب قد أتمَّ ستّ عَشّْرَة سنة والفتاة أربع عَشّْرَة سنة. أمّا الرّوم الأورثوذكس فاشترطُوا سنّ الرّشد على أنّه وعند الضرورة يجوز عقدَ الزّواج بين شاب تجاوز السابعة عشرة وفتاة تجاوزت الخامسة عشرة. أمّا طائفتا الإنجيليّين والأقباط الأورثوذكس فاشترطتا أنْ يكون الشّاب قد أتمَّ الثامنة عشرة والفتاة السادسة عشرة. إلاّ أنّه يجوز ضمن ظروف استثنائيّة الترخيص بالزّواج لقاصرين بإذن خاص من المحكمة شرط أن يكونا بالغين بالمعنى الفيزيولوجي، وأن ينالا رضى والديهما. وقد سمحت طوائف الأرمن والسّريان الأورثوذكس بزواج الفتاة عن عمر أربع عشرة سنة في ظروف مهمّة جدًّا. أمّا التحريم على الّذين لم يبلغوا السنّ القانونيّة فهدفُه تأخير الزواج حتى بلوغ طالبيه النضج العقليّ والفيزيولوجيّ واكتسابِهما بذلك الأهليّة الكاملة لاتمام قرانهما.
تحديد النسل والتخطيط العائليّ ومسألة الاجهاض
ولا يُمكن أَن نحكي عن الصّحّة الإنجابية من منظور مسيحي دون أَن نحكي عن تحديد النّسل. ولتحديد النسل أسباب اقتصادية واجتماعية ونفسيّة وصحيّة وعمليّة. هنا تتباين النظرة بين المسيحيّين حول هذا الموضوع، فبين كنيسة تمنع استخدام جميع وسائل منع الحمل لأسباب روحيّة وأخلاقيّة كالكنيسة الكاثوليكيّة، وبعضِ الكنائس الإنجيلية في أوروبا الشرقية، وكنائس لا تمنع استخدام وسائل منع الحمل (مع استثناء تلك الّتي تقتل البويضة المُلقّحة)، يتّفق الجميع على ضرورة التخطيط العائليّ ومراقبة الحمل من أجل تأمين فرصة أفضل لحمل آمن ومن أجل الحفاظ على صحّة الأمّ ولضمان مستقبل مستقر وزاهر للطفل.
ونصل إلى معالجة موضوع الإجهاض. والإجهاض هو انهاء حمل فيه صار التلقيح بين البويضة والمنيّ. تنظر المسيحيّة إلى الاجهاض كجريمة قتل، إذْ تؤمن أنّ الحياة تحصل من لحظة التلقيح. قد يكون هناك في المسيحيَّة من لا يقدر أنْ يجزم متى تأتي الحياة إلى الكائن الجديد. لكنّ الواضح أنّه ومن قصّة مريم العذراء وحَبَلِهَا العجيب من روح الله، أنّه وعندَما زارَت نسيبتها أليصابات، اعترفت لها أنّها أمُّ الرّب الحالّ في أحشائها من أوّل ما استلمت بشارة الملاك (لوقا 1: 41)! أمّا في حالات النّاس العاديّين الّذين يحصل حملُهم من جراء زواج وعلاقة جنسية، فمن المؤكّد أنّ الحياة، والروح مُسبّبتها، تبدأ في البويضة عند تلقيحها. ويتوافق تعليم الكتاب المقدّس مع العلم بأنّ رحلة الانسان تبدأ في تلك اللحظة بالتمام. فبعد أقلّ من 24 ساعة تنقسم “الأقحة” Zygote البشريّة إلى كيس جنينيّ مكوّن من خليّتين two-celled embryo. وتبدأ مسيرته إلى الرحم فيدخله نحو اليوم الخامس حيث يتغذى ويعلق وينمو ويُدعى عندها “أريمة” blastocyst. وتتطوّر الحياة فيه حتّى أن الدّم ونسيج القلب والنبض ونظام التنفّس والعينين والأذنين والبلعوم والفم والدماغ والجهاز العصبي والأطراف جميعها تتكوّن قبل اليوم الرّابع. ولهذا في المسيحيّة إجماع أَنْ تُحمى حياة الجنين في بطن أمّه من البداية. قد يكون من الصّعب نصح فتاة تعرّضت للاغتصاب أو لعلاقة سفاح القربى ماذا تفعل. ويبقى الموضوع صعبًا في حياتها، لكن من المؤكّد أنَّ الزوجة لا تستطيع أن تطرح حملَها غير المرغوب به. فالجنين هو إنسان كامل بالنسبة للكتاب المقدّس، والتخلّص منه هو جريمة تتعارضُ مع الوصايا العشرة (مزمور 139: 13-18؛ خروج 20: 13؛ 21: 22).
في الخلاصة، لا بدَّ من التذكير أنّ الصحّة الإنجابية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصحَّة الأم، فلا حياة للجنين دون حياة سليمة وصحيحة للأم. هذا يفترض رعاية الأمّ الصحيّة والنفسيّة والبيتيّة. الأمر الذي يُترجم بقوانين تحفظ حقوق الأمّ في فترة الحمل والولادة والرّضاعة حتّى يكون هناك صحة للطِّفل الآتي إلى العالم. أمّا في حال تعرّضت الأمّ لأمر صحّي خطير يستدعي إجهاض الطِّفل أو خسارتها فالأولوية تكون في حفظ حياة الأمّ، فبالحفاظ عليها نحفظ حياتها وإمكانية حمل جديدة.