“سيكونُ أصلُ يسّى والقائمُ ليسودَ على الأممِ، عليهِ سيكونُ رجاءُ الأممِ” (رومية 15: 9-13)
العالم اليوم في كرب وحيرة، والنّاس في مخاوف ويأس، وكثيرون هم المتألمّون والمتوحّدون واليائسون. ولا تبدو مشاكل العالم قابلة للحلّ في وقت قريب؛ فهل من رجاء للعالم؟ بعض النّاس لا رجاء لهم. والكثير من “الواقعيّين” لا يؤمنون بالرّجاء، ويقولون إنّه دواء الضّعفاء الّذي يُعينهم على اجتياز المراحل الصّعبة من دون أن يُساعدهم على تغييرها. قال وليام شكسبير: “البائس اليائس ليس عنده دواء سوى الرّجاء”.
وبالفعل، يبقى التّفاؤل الّذي يعتمد عليه النّاس رجاءً وهميًّا لا يُفيد كثيرًا، كما عبّر فرانسيس بايكون: “الرّجاء هو فطور طيّب وعشاء سيّئ”. فهو يبدو مُشجّعًا في بدايته؛ أمّا نهايته، فهزيلة إذا لم نقل مأساويّة.
أمّا الرّجاء الّذي يُعطيه “إله الرّجاء” فليس كالمُسكّن الوقتيّ، إنّما هو قادر على أن يعمل بقوّة في وقت فقدان الأمل واليأس. تكون كلّ وعود المسيح والكتاب المقدّس وهميّة وكاذبة، إن كان الله غير قادر على إعطاء الرجاء الفعليّ. يعترف الرسول بولس بأنّ المسيح هو “رجاء الأمم” الّذي يُعطي الرّجاء الأكيد والثّابت والقويّ في كلّ ظروف الحياة، وحتّى عند الموت؛ فلا يحزن المؤمن كالّذين لا رجاء لهم، بل تكون له تعزية وسرور وسلام. لكن، للأسف، لا يستفيد جميع النّاس من إله الرّجاء هذا. وإذ الوحي المقدّس يتكلّم على المسيح كَـ “رجاء الأمم”، نتساءل: ومن هي هذه الأمم التي تتّخذ المسيح رجاءً لها؟
المسيح رجاء الأمم التي تخضع لسيادته
يعترف كل من النّبيّ إشعياء وبعده الرّسول بولس بأنّ المسيح هو “القائمُ ليسودَ على الأممِ” (أش 11: 10؛ رو 15: 12-13). والأمم الّتي يسود عليها المسيح هي جموع المؤمنين الّذين قبلوه كربّ وملك، ويبقى خارجهم الّذين رفضوا سيادته عليهم. لذلك، لا يرتبط المسيح بالأمم الّتي ترفضه، وبالتّالي هذه تبقى بلا رجاء وبلا إله في العالم (أف 2: 12). هكذا نرى ارتباط الرّجاء بالإيمان بالمسيح. فالّذي يقبل المسيح مخلّصاً ويخضع له ربًّا، يصير المسيح له رجاءً أكيدًا.
قليلون يعرفون أنّ المسيح سيأتي في آخر الأيّام، وسيملك على الأرض لألف سنة، وستنعم الأرض بفترة لم ترَ مثلها في التّاريخ (رؤ 20: 1-6). يومها، سيحكم المسيح على الأمم بالعدل، فتسعد وتهنأ تحت ظلّه (رو 15: 10). الاستفادة من هذا الرّجاء يتوقّف على الانتماء إلى ملكوت الله الّذي يصير بالولادة الثّانية من الرّوح القدس (يو 3: 3 و 5)، وبالإيمان بالمسيح الّذي به يدخل الإنسان إلى نعمة الله حيث يفتخر “على رجاءِ مجد اللهِ” (رو 5: 2). اليوم لن يطول، وستسير جموع المُخلّصين في المدينة السّماويّة تحت راية المسيح “رجاء الأمم”.
هل لك المسيح “رجاء الأمم”؟
المثقّفون الوثنيّون في القديم، والكثير من المفكّرين في عالمنا اليوم، يعتبرون أنّ الرّجاء هو وهم جميل، لكنّه غير حقيقيّ، لذا يعيشون “بلا رجاء”، كما يصفهم بولس الرّسول، الّذي يشرح أنّهم كذلك لأنّهم بلا مسيح وبلا إله في العالم (أف 2: 12). ولأنّهم بلا رجاء، يُسيطر على حياتهم حزن غير منقطع، ويُواجهون الموت يائسين (1 تس 4: 13). وبالإمكان وصف حقبتنا الحاليّة بأنّها حقبة سوداء انتُزِعَ، فيها، كلّ رجاء بالنّجاة من قلوب النّاس. لكنّ الحقيقة هي أنّه حيث الله هناك الرّجاء الحقيقيّ. والرّجاء لا يعتمد على ما يملكه الإنسان أو ما يُمكن عمله، أو على الشّعور بالرّجاء بشكل عامّ. بل يعتمد على الإيمان بالله الّذي أقام المسيح من الأموات (1بط 1: 21). ففي المسيح فقط يكون الرّجاء الصالح (2 تس 2: 16) والرّجاء الحيّ (1 بط 1: 3) والرّجاء المبارك (تي 2: 13) الّذي “لا يخيب” (رو 5: 5) والذي يبقى “إلى النّهاية” (عب 6: 11).
ويُشكّك البعض فيما إن كان الله أهلاً للثّقة والرّجاء؟ أمّا الكتاب المقدّس، فيؤكّد أنّ المسيح هو “إله الرّجاء” وأهل للثّقة إذ هو “الإله القادر على كلّ شيء الّذي كان والكائن والّذي يأتي” (رؤ 4: 8). وهو الإله الّذي خلق الكون وكلّ ما فيه في الماضي، وما يزال يرعى الكون في الحاضر، وعنده خطّة أفضل لهذا الكون في المستقبل. على هذا الإله يُلقي المؤمنون رجاءهم (2 كو 1: 9 – 10). إنّهم لا يُلقون رجاءهم على رجاء وهميّ ذو تأثير إيجابيّ، بل على شخص قادر على أن يمنحهم الرّجاء الفعليّ. قال فالكلاف هافيل: “الرّجاء ليس التّفاؤل بالغد الأفضل، بل اليقين بالغد الأفضل”. الّذي عنده المسيح “رجاء الأمم” يتيقّن أنّ رجاءه أكيد ومضمون، وهو كمِرساة للنّفس مؤتمنة وثابتة (عب 6: 19). فعند اختبار الإيمان بالمسيح، يعلم المؤمن ما هو رجاء دعوته الحاليّ والمستقبليّ (أف 1: 18) وإن كان رجاء المؤمن موضوعًا أمامه في السّماء الآن (كو 1: 5)، إلاّ أنّه سيتحقّق بالكامل عندما يُستعلن المسيح في رجوعه الثّاني (1 بط 1: 13).
إن كنت تعيش في ناحية مليئة بالعواصف، وخاب رجاؤك في الحياة، اسمح للمسيح، رجاء الأمم، أن يدخل حياتك الآن، فهو أفضل من يتعهّدك في الحياة وفي الأبد، إذّاك تشهد مع المرنّم ملحم ذهبيّة:
رجاءُ قلبي راسخٌ أساسُهُ بِرُّ المسيح
وليسَ شيءٌ غيرَهُ قلبي إليهِ يستريح
عليكَ يا صخرَ الأزل أُلقي رجائي والأمل
في عهدِهِ المختومِ بال دمِ الثّمينِ لي الرجا
إن تعصُفِ الأنواءُ حو لي لا أخافُ اللُّججا
عليكَ يا صخرَ الأزل أُلقي رجائي والأمل