إنّ موضوع الخطيّة ومضارّها وتأثيرها في حياتنا وتفكيرنا وعلاقاتنا لا نفهمه، ولا نُريد أن نفهمه، ونستخفّ به في آن. وغالبيّة النّاس اليوم صاروا يُسمّون الخطيّة خطأ، علمًا أنّ هناك فرقًا كبيرًا بين الخطيّة والخطأ. فالخطأ هو تصرّف لا ينسجم مع قاعدة وضعها إنسان ما حول أمر ما. أمّا الخطيّة، فهي إثم أو ذنب ضدّ مطالب الله الرّوحيّة والأخلاقيّة (1 يوحنّا 5: 17). الخطيّة باختصار هي موقف عدائيّ ضدّ الله.
ونحن البشر نغضّ الطّرف عن خطايانا، ونتجاهلها، ونُحاول نسيانها مُقلّلين من فداحتها. نتديّن، وننشغل بالمظاهر التّقويّة والأعمال الصّالحة، ولا نُتعِب أنفسنا بفهم جدّيّة الخطيّة وخطورتها. وبينما تُتعبنا الخطيّة الّتي نرتكبها، لا نسعى بإخلاص للتّخلّص منها واختبار الانتصار عليها. ولربّما لا نعرف ما نعمل لنتخلّص منها ونغلبها. لكنّنا أيضًا لا نعرف معنى القداسة، ولا كيف نتقدّس، ولا نؤمن بوجود القدّيسين الأحياء. كلّ فكرتنا عن القدّيسين هي أنّهم رجال ونساء أفاضل، ضحّوا بحياتهم وبأمور الدّنيا من أجل الله وخدمة الإنسان. أمّا المعنى الأساسيّ للقدّيس، أي الطّاهر أو المنفرز عن العالميّات لله (رسالة يهوذا 1)، فلا نعرفه، وإن عرفناه لا نبتغيه، وذلك ليستمرّ كلّ واحد منّا بخطاياه لأنّها لذيذة له، كما الخبز المسروق لذيذ عند السّارق. ولا أحد يعرف أنّ آخرة الخطيّة مرّة كالعلقم، وتُميت في جهنّم (رومية 6: 23). والحقّ يُقال، إنّ لا أحد يُريد أن يفتكر في ما سيُواجهه بسبب خطاياه.
أنا أرجو، في هذا المقال، أن تُساعد هذه الكلمات الجميع، ومنهم صاحب الضّمير الحيّ المنزعج من الخطايا أو حتّى الّذي لا يظنّ أنّه خاطئ أو أنّه ارتكب خطايا فادحة، على أن يعترف بأنّه خاطئ، وأنّ موضوع الخطيّة هو خطير للغاية على حياته. إنّه لمن الغباء أن يتجاهل الإنسان هذا الموضوع الجدّيّ. ماذا كان يفعل أحدنا لو عرف أنّ الجرذان أو الصّراصير أو العقارب تقتحم بيته لتأكل النّفيس فيه، أو لتُهاجمه على حين غفلة؟ ماذا كان يفعل أحدنا لو عرف أنّ السّرطان ينخر جسده؟ فلِمَ التّهاون في موضوع خطير كموضوع الخطيّة الّذي ينخر حياتنا وبيوتنا ويفتك بأولادنا؟
لقد اعتاد بعض النّاس على تسميع “فعل النّدامة” أو صلوات التّوبة بشكل سطحيّ وخفيف لإسكات ضميره، أو لنوال بِرّ أمام النّاس، ومن ثمّ العودة إلى ارتكاب الخطايا ذاتها. هذا يُرينا أنّ القضيّة أعمق بكثير، وأنّ علاج الخطيّة هو جدّي بمقدار ما تكون الخطيّة خطيرة ومُميتة. وحده المسيح يسوع قدّم علاجًا حقيقيًّا وناجعًا للخطيّة (عبرانيّين 10: 10). فهو البارّ الّذي لم يُخطئ، جاء ليُعين المغلوب على أمرهم بالآثام (1 بطرس 3: 18)، فحمل خطايا العالم وذهب بها إلى الصّليب، وسُمِّرَ هناك (يوحنّا 1: 29؛ كولوسّي 2: 13-14)، وكان عذابه كبير جدًّا عن خطايا كلّ البشريّة، بما فيهم أنا وأنت وكلّ واحد (عبرانيّين 2: 9). وهكذا، سبّبت الخطيّة وعقابها آلام المسيح وموته.
هل تعرف مقدار عذابه بسبب خطايا العالم وخطاياك؟ إن كنت لا تعرف، فعلى الأقلّ افتكر جدّيًّا بخطاياك الّتي ارتكبتها، ففيها الكثير من التّلوّث والنّجاسة والحقارة والسّموم. ماذا تقول عن زِناك (كلّ علاقة جنسيّة خارج إطار الزّواج، قبله ومعه)؟ وماذا تقول عن نظراتك الزّانية؟ ومحاولاتك التّحرّش الجنسيّ بالقاصرين وبالآخرين؟ وماذا تقول عن كراهيّتك للآخرين؟ وماذا تقول عن كذبك ومكرك وشتائمك وكلام الهزل والسّفاهة، واستخدامك لاسم الله باطلاً، وحلفانك وعدم إيفائك بعهودك؟ وماذا تقول عن لعبك بالقمار والسَّبَق وعن سكرك؟ وماذا تقول عن عدم طاعتك للوالدين، ومخاصمتك لإخوتك وظلمك لهم، ونميمتك ومكائدك وطعنك بالظّهر وغضبك وكراهيّتك وقتلك؟ وماذا تقول عن حسدك وغيرتك وسرقتك وعدم أمانتك المهنيّة، وكلّ أنواع ربح المال الحرام؟ وتطول لائحة الخطايا، وذكر بعضها قبيح (رومية 1: 29-30؛ 1 كورنثوس 6: 9-10؛ أفسس 5: 12). بسبب كلّ هذه الخطايا مات المسيح. ومَن منّا لم يرتكب خطيّة (رومية 3: 10-12؛ 1 كورنثوس 6: 11)؟ إذًا، خطايانا سبّبت موت المسيح. فمَن أراد أن يخلص من خطاياه وعقابها المتوجّب أمام عرش الدّينونة، يطلب من المسيح أن يُخلّصه منها، فيخلُص (إشعياء 45: 22).
وعندما يُدرك الإنسان أنّ موضوع الخطيّة في غاية الخطورة والجدّيّة، يستيقظ ضميره، ويحزن على خطاياه، ويندم على ارتكابها. وإن كان حزنه عميقًا وندامته أصيلة، يعترف بخطاياه ولا يكتمها، الأمر الّذي يُنشئ توبة حقيقيّة فيها يرتمي أمام الله طالبًا الرّحمة والخلاص من خطاياه، والحياة الجديدة المقدّسة (مزمور 32: 5؛ أمثال 28: 13؛ 2 كورنثوس 7: 10). إنّ المُخْلِص مع ذاتهِ لا يتهرّب من موضوع الخطيّة، بل يُواجِهُه، ويُسلِّم أمره للمسيح المُخلِّص الوحيد القادر على أن يُخلّصه إلى التّمام (عبرانيّين 7: 25)، ويُقدّسه إلى التّمام في ما تبقّى من حياته (1 تسالونيكي 5: 23).
كيف ترغب في أن تمضي حياتك بعد قراءتك هذه الأسطر؟ اشفِق على نفسك، وانتفض على واقعك، وانزل بسرعة على ركبتيك، وقل له: ارحمني يا الله، فأنا كثيرًا ما أخطأت أمامك، فاغفر لي وطهّرني بدماء المسيح المُخلِّص، واعطني أن تكون توبتي إليك كاملة لكي لا أعود أُحزِن قلبك بارتكابي الخطيّة (مزمور 51: 1-13). ليكن تعهّدك صادقًا ومُخلِصًا لئلاّ تزيد على خطاياك خطيّة جديدة (جامعة 5: 5-6). إنّ عيشة القداسة حلوة ومُنعشة ومُباركة في آن. هي كمن يستحمّ من أوساخه، وينعم بنظافته. افتكر بحياتك، فأنت جرّبت الخطايا، ولم يكن لك منها سوى الأشواك والآلام. لماذا لا تُجرّب التّوبة فتخلص من خطاياك الآن، وتحيا باقي حياتك طاهرًا نقيًّا، وتسير نحو خلاص أبديّ مؤكّد