الموقف السّليم من الرّبح والخسارة

الخسارةُ كلمةٌ سلبيّةٌ لا أحد يحبّ اختبارها وهي عكس الرّبح. هي متنوّعةٌ وليس بالضّرورة أن تكون فقط خسارةً ماليّةً، إنما هناك خسائرُ معنويّةٌ واجتماعيّةٌ وعاطفيّةٌ وحتى جسديّة. لكن من المؤكّد أنّنا جميعنا اختبرنا نوعًا معينًا من أنواعها في حياتنا ولو لمرّة واحدة على الأقل، والبعض اختبرها بأنواعها المتعدّدة ومرارًا. فأن يموت صديقٌ أو حبيبٌ أو أهلٌ أو ولدٌ، أو أن تمرض صحيًّا ،كلّها تحسب خسارة. وممكن أن تكون الخسارات جزئيّةً، كخسارة القدرة على النّطق أو السّمع أو البصر أو المشي أو الشّم، وغيرها، حتى أن ربح يوم آخر في حياتنا هو في الحقيقة يوم آخر خسرناه من عمرنا.

للخسارة تأثيرٌ سلبيٌّ علينا، البعض يبكي وآخرون يشعرون بالفشل والإحباط واليأس ولربما يسيطر علينا شعور بالذّنب وعدم الرّضى عن النّفس. وتبدأ الأسئلة تتوالى في أذهاننا: لماذا؟ لماذا أنا بالتّحديد؟ هل كان من الممكن تحاشي الخسارة؟ أين يكمن سبب التقصير؟ ونحاول اكتشاف الأسباب، لكن قليلون هم الذين يتعلّمون ألّا يعاودوا تكرار الخطأ أو التقصير الذي أدى الى ذلك. شخصيًّا اختبرت خسارة فقدان أبي وأمي في عمر المراهقة. أذكر يوم تلقينا خبر مقتلهما ،كان فاجعةً حقيقيّةً لم أستطع البكاء ولا حتى قدرت على ذرف دمعةٍ واحدةٍ، ليس لأنني لا أحبّ أهلي إنما وقع الصدمة كان فظيعًا لدرجة تزاحمت الأفكار في رأسي، وابتدأت أسأل الله يا رب لماذا؟ لماذا سمحت أن أفقد أبي؟ من سيعولنا من سيهتمّ بنا؟ مَن سيهتمّ بأختى الأرملة وأولادها الستة؟ لماذا سمحت بأن تموت أمي؟ فأنا ما زلت بحاجة الى توجهياتها في مدينة لم نعتد على العيش فيها بعد. حاولت ان أبكي كما الآخرون لكن الدموع لم تتطاوعني وأبت أن تُذرَف وتغسل وجعي، فشعرتُ بالذنب. لم لا أبكي؟ ألا أحبّ أهلي؟

البعض يقول بأنّ الخسارة هي مفتاح النّجاح وقليلون هم الذين يأخذون تجربة الخسارة إلى موقعٍ أعلى فتعقّلهم وتنضجهم وتجعلهم أشخاصًا أفضل.

جميل أن نسعى وراء الرّبح والنّجاح والعلم من دون أن ننسى الأهمّ في الحياة. أن تربح كلّ شيء وأن تنجح وتكسب شهرة أو مركزًا، أمورٌ كلّنا نسعى ورءاها، لكن لو خُيّرت بأن تربحها مقابل أن تخسر الحياة الأبدية مع المسيح فماذا تختار؟ وأيّهما هي الخسارة الحقيقيّة؟

هل تكون كبولس الذي قال في رسالة فيلبي بأنّ كلّ الرّبح الذي كان له في الحياة من نجاح وموقع وعلم ونسب وغيرها كان بنظره خسارةً أمام ربحه للمسيح. قوله المشهور في هذا الخصوص هو: "لكن ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة. بل إني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربّي، الذي من أجله خسرتُ كلّ الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح". (فيلبي 3: 7-8).

ما زال بإمكانك اليوم أن تختار لنفسك ماذا تربح وماذا تخسر؟ حاول أن يكون ربحك ما لا يمكن أن تخسره، وأن تكون خسارتك ما لا تستطيع أن تُحافظ عليه. قال يسوع: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟"

 

الكلمات الدلالية