لقد جعل اليونان في القديم القضاء والقدر أو الجبريّة إلهًا سمّوه “الإله مُويْرا” Moira، والّذي كان يدلّ على القوى غير المنظورة الّتي تتحكّم بمصائر البشر. وكانوا يؤمنون بأنّ القضاء والقدر هو أرفع منزلة من الآلهة، حيث أنّهم لم يستطيعوا أن يتحدّوا قواه العظيمة.
إنّ الجبريّة، وبحسب الفلسفة التّقليديّة القديمة وأيضًا الدّيانات الشّرقيّة، ليست مصادفة، وهو ما يمكن تعريفه بأنّه غياب للقوانين، بل هي حتميّة[1] كونيّة لا معنى جوهريّ لها ولا هدف. إنّها القوى المظلِمَة الشّرّيرة المتعلّقة بالرّؤية المأساويّة للحياة. وهي لا تعني غياب حرّيّة الإنسان بل إخضاعها، فهي الضّرورة القصوى الّتي ارتبطت بها الحرّيّة ولم تعد قادرة على التّفلّت منها. إنّها عمياء ومُبهَمة ولا مفرّ منها.
أمّا الإيمان المسيحيّ، فقد استبدل مفهوم الفلسفة الهللّينيّة للقضاء والقدر أو الجبريّة بعقيدة التّدبير الإلهيّ Divine providence. وإذا كانت الجبريّة هي تلك القوّة المجهولة الهائلة الّتي تُعيق حرّيّة الإنسان وتتحكّم بها، فإنّ التّدبير الإلهيّ يعطي الإنسان حرّيّة تقرير مصيره الّذي خُلِق لأجله. وإذا كانت الجبريّة تعني إبطال الحرّيّة وإلغائها، فإنّ التّدبير الإلهيّ هو إدراك للحرّيّة الحقيقيّة من خلال خضوعها للمشورة الإلهيّة. إنّه، أي التّدبير الإلهيّ، توجيه ودعم من إله مُحبّ يجعل الحياة أكثر احتمالاً، بينما تجعل الجبريّة من الصّدفة أو الأمور غير المتوقّعة تتحكّم بمصائر النّاس وتضع ثقلاً كبيرًا على حياتها. وإذا كانت الجبريّة تجعل المستقبل قاتِمًا غير مستقرّ، فإنّ التّدبير الإلهيّ يملأ المستقبل رجاءً وحياة. وبينما تتربّع الجبريّة على عروش ديانات عديدة، ولا تقدّم تفسيرًا منطقيًّا أو مفيدًا للنّاس، يُقدّم الإيمان المسيحيّ، بالتّبرير الإلهيّ، تفسيرًا في غاية العقلانيّة، مملوءًا بالرّحمة والحنوّ لصالح البشر.