ولد روبرت ستيفن سميث بادن في الأول من حزيران 1857 في لندن. كان والده عالمًا في الرياضيات بجامعة اكسفورد. سُمِيَ روبرت على اسم جده مخترع أول خط سكة حديد. أمّا أمه فكانت من عائلة عريقة والدها كان أدميرال في البحرية وفيزيائي وعالم فلك. وكان منزل هذا الأخير ملتقى الكثير من العلماء والأدباء. فقد عاش روبرت ضمن أجواء من أحاديث كبار المثقفين وتأثر مباشرة بما كان يحكي له جده عن مغامرات البحرية.
عاش روبرت المعروف باسم بادن باول يتيم الأب. فقد توفي والده وهو في الثالثة من العمر. ربّته أمّه تربية مسيحية محافظة. تميّز روبرت بنضجه المبكر وقوة بنيته. عندما كان في الثامنة من عمره وجّه كتابًا إلى جدّه عنوانه ” قوانيني عندما أصبح عجوزًا ” كتب فيه:”سوف أسعى ليصبح الفقراء أكثر مالاً من الأغنياء لأن لهم الحق بالسعادة، لأن الله هو خلق الأثرياء والفقراء”.
تلقّى علومه الأولى من والدته ثم التحق بإحدى المدارس العريقة وتميّز في الرماية والتمثيل وقد جعله حسّه للدعابة محبوبًا لدى رفاقه وكان حريصًا دائمًا على تعلّم مهارات جديدة والعزف على البيانو والكمان. وأثناء وجوده في الريف الانجليزي في طفولته كان كثيرًا ما يختبئ أثناء الدراسة في الغابة القريبة التي تحيط بمدرسته ليكتشف الطبيعة. وكان يستفيد من العطلات ليقوم برحلات استكشافية مع اخوته وكانت الرحلات نادرة الحدوث للفتيات الصغار في ذلك الوقت.
التحاقه بالجيش
أجرى بادن باول امتحان دخول الجيش بدون علم أهله ونجح بتفوق. فعيّن فورًا برتبة ضابط. وقد برهن سريعًا على أنه جندي لامع. ولعل أشهر نجاحاته العسكرية التي أحرزها في جنوب إفريقيا حيث حاصره مع ألف من جنوده 9 آلاف من ثائري البوير. إستطاع بادن باول الصمود بفضل تكتيكات مميّزة لجأ إليها واستفادته من خبراته بالطبيعة وقد أسّس حينها فرقة استطلاعية دعاها الكشافة كانت مهمتها القيام باستكشاف خطوط العدو. وحين عودته إلى الوطن عام 1900 صادف نجاحًا وشعبية باعتباره بطلاً قوميًّا كما وجد أن الكتيّب الصغير الذي أعدّه لجنوده “مساعدات من النواحي الكشفيّة” استخدمه قادة الشباب والمُدَرِّسون في أنحاء البلاد في تدريباتهم.
تأسيسه للحركة الكشفية للفتيان
رأى بادن باول أن يوجّه نشاطه للصغار من أبناء بلاده ليُعدّ النشء ليكونوا مواطنين صالحين. استخدم خبرته التي اكتسبها في افريقيا بين قبائل الزولو وغيرها من القبائل المتوحشة وانكبّ على دراسة كتب التربية ومراحل نمو الفتيان.
في سنة 1907 أقام مخيمًا تجريبيًا في جزيرة برادنسي لمحاولة تطبيق أفكاره وكان ذلك المخيم بمثابة نقطة البداية للحركة الكشفية وبشكل تلقائي ابتدأت فرق كشفية أخرى تتأسّس في جميع أنحاء البلاد وسرعان ما انتشرت الكشافة في جميع أنحاء العالم بعد أن تُرجم كتيبه “الكشافة للفتيان” إلى جميع اللغات الرئيسيّة.
وفي سنة 1910 تقاعد بادن باول من الجيش بناء على نصيحة الملك إدوارد السابع حتى يمكنه القيام بخدمات أكثر أهمية لبلاده داخل الحركة الكشفية مما ساعده على السفر إلى جميع أنحاء العالم لتشجيع نمو وتطوير الحركة الكشفية للفتيان والمرشدات. انطلق المخيم الكشفي العالمي الأول من أولمبيا لندن في العام 1920 حيث تم اختيار بادن باول بالاجماع رئيسًا للكشافة العالمي.
تزوّج بادن باول من أوليفيا سوميز التي شاركته اهتمامه الشديد بالشباب والنشء. كتب ما لا يقل عن 32 كتابًا وحصل على شهادات فخريّة وأوسمة شرف عديدة.
نهاية حياته
وفي العام 1938 بدأ بادن باول يعاني من اعتلال الصحة وعاد إلى افريقيا في حالة شبه تقاعد في كينيا حيث توفي هناك سنة 1941. واصلت زوجته السيدة أوليفيا جهوده وأعماله وتدعيم الكشافة والمرشدات في جميع أنحاء العالم حتى وفاتها عام 1977 وتم دفنها إلى جانب زوجها في كينيا.
أعد بادن باول رسالة وداع للكشافة لنشرها بعد وفاته كتب فيها: “حاول أن تترك هذا العالم أفضل قليلاً مما وجدته عليه” وما زالت هذه النصيحة مستمرة في إلهام الشباب في جميع أنحاء العالم.
الجذور المسيحيّة للعمل الكشفي
نشأ بادن باول ضمن أسرة مسيحيّة محافظة ومنها وضع المنهاج الكشفي وأكد انه لا يوجد كشفية بدون دين. وممّا كتبه: “إن الانسان بدون دين لا قيمة له ولا معنى”…”أن الدين أمر بسيط: أحبب الله واخدم القريب”.
عندما صدرت أول وثيقة كشفية عام 1908 لم يكن سوى فقرتين مخصصتين حول الحياة المسيحية. فطرح السؤال على بادن باول أين نجد التنشئة المسيحية في البرنامج الكشفي؟ فأجاب: أن المسيحية في جوهر وعمق العمل الكشفي. وهكذا عندما تُفعّل الكشفية عمليًّا فإننا نضع الانجيل في عمقه، هذا يعني أننا نطبق الانجيل على أرض الواقع. ويضيف أنه توجد طريقان لمعرفة الله، التأمل في الكتاب المقدس وقراءة كتاب رائع هو كتاب الطبيعة من خلال رؤية عظمة الله في الخليقة.
تهدف الحركة الكشفية إلى زرع الايمان ونموّه وتطبيق المسيحيّة في حياتنا وأعمالنا اليوميّة وليس فقط إعلان إيماننا يوم الأحد. حياة المخيم والطبيعة الجميلة والهدوء هي أوقات مهمة للقاء الرب. ويجب خلال فترة المخيم وضع وقت كاف للصلاة. فبعد كل نشاط يجتمع الكشافة ليتباحثوا على ضوء الانجيل. فالكشفية ليست فقط لعبة وإنما منهاج حقيقي للتربية المسيحية بحسب نهج بادن باول.
أمّا المحاور الاساسية التي بنى عليها بادن باول هذا المنهاج فهي:
- العلاقة مع الذات: أنها دعوة للعيش بالحقيقة مع ذواتنا لاكتشاف كوننا فريدين ضمن الجماعة مما يعزّز الالتزام الفريد والحر. ويساعد العمل الكشفي على التغيير وإعلان الأفكار بوضوح وجرأة والكشافة مجموعة من البرامج والأنشطة تهدف إلى تكوين مواطن صالح مصقول المواهب ويعتمد على نفسه.
- العلاقة مع الجسد: تعمل الكشفية على تنمية إمكانيات الجسد والحفاظ على الصحة العامة.
- العلاقة مع العالم والمادة: القدرة على استخدام المواد والابداع ومواجهة المشاكل الحياتية.
- العلاقة مع الآخرين: تعلّم التضامن والتكامل وتجاوز اللامبالاة والخوف والعزلة والعدوانية وخدمة الآخر.
- العلاقة مع الله: السير على درب الايمان واتخاذ المسيح الصديق الألصق من الأخ.
أهداف الحركة الكشفية
تهدف الحركة الكشفية إلى تنمية الشباب لتحقيق أقصى ارتقاء بقدراتهم البدنية والعقلية والوجدانية والاجتماعية والروحيّة كأفراد وكمواطنين مسؤولين وكأعضاء في مجتمعاتهم المحليّة والوطنيّة والعالميّة. وتلخّص في شعارها “كن مستعدًّا” واجباتها التي تُحدّد بالتالي:
- الواجب نحو الله. من خلال الالتزام بالمبادئ المسيحيّة والتمسّك بالعقيدة الكتابيّة وتقبّل الواجبات التي تنتج عن هذا الالتزام.
- الواجب نحو الآخرين. من خلال الولاء للوطن مع تعزيز التفاهم والتعاون المحليّ والوطنيّ والعالميّ والمشاركة في تنمية المجتمع مع احترام الكرامة الانسانية والتكامل مع الطبيعة.
- الواجب نحو الذات. كل شخص ينخرط في الكشفية مسؤول عن تنمية ذاته.