ازدادت الأبحاث وتنوّعت الدّراسات في عصرنا الحاضر. ونالت تربية الأولاد نصيبًا واسعًا من النّظريّات المتعدّدة والأساليب الحديثة الّتي توافقت حينًا وتضاربت أحيانًا. فما هي نظرة الكتاب المقدّس إلى تربية الأولاد؟
أشارت كلمة الله إلى هذا الموضوع في العديد من أسفاره، بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر. يُلفت انتباهنا سفر الأمثال بنصائحه العمليّة والسّامية والهادفة لتجعل الولد حكيمًا يفهم ويختار السّلوك الصّحيح. يوضح السّفر حاجة الأهل إلى تأديب الولد لتحقيق الهدف. “العصا والتّوبيخ يعطيان حكمةً والصّبيّ المُطلَق إلى هواه يُخجِل أمّه” (أم 29: 15).
المفهوم الكتابيّ للتّأديب
إنّ التّأديب بمفهومه الكتابيّ نوعان: سلبيّ من خلال العقاب بمختلف جوانبه، وإيجابيّ بواسطة التّدريب والبنيان. يتشعّب الأسلوبان ويصعب التّطرّق إليهما في مقالة صغيرة. سنبحث هنا في الجانب السّلبيّ لنتناول التّأديب الإيجابيّ في مقال آخر.
يطلق سفر الأمثال على التّأديب مصطَلحَي العصا والتّوبيخ. “لا تمنع التّأديب عن الولد لأنّك إن ضربته بعصا لا يموت” (أم 23: 13). يعنى ذلك العقابَ بشكل عام. يحتاج الولد هذا النّوع من التّأديب ليتعلّم طاعة الأهل في نهيهم له من الأفعال السّيّئة والمضرّة بحسب شرية الله. يشبِّه كاتب الرّسالة إلى العبرانيين تأديب الرّبّ بتأديب الأهل لأولادهم. “لأنّ الّذي يحبّه الربّ يؤدّبه ويجلد كلّ ابن يقبله. إن كنتم تحتملون التّأديب يعاملكم الله كالبنين. فأيّ ابن لا يؤدّبه أبوه؟” يؤدّب الله أولاده، بسبب محبته واهتمامه، لهدف نضجهم الروحيّ.
يجب أن يُربّي الأهل ولدهم بمحبّة وحزم. فلا يتهاونون كأن يمنحوه الكثير من الحريّة بحجّة أنّ النّهي عن بعض الأمور، حتّى المخالفة لشريعة الله، تؤدّي إلى الكبت. هذا غير صحيح وغير سليم. لا ينشأ الكبت من التّأديب الحاسم والحازم بل من التّربية البعيدة عن وصايا الله.
الأسلوب السّليم للتّأديب
تربية سليمة تنبع من أسلوب تأديبيّ سليم، ومن وعي الأهل أنّ مهمة تربية أولادهم واجب مقدس. في ما يلي أضع بضعة نصائح عمليّة بتصرّفهم. وهي ثمار دراسات مسيحيّة مُعمَّقة أثبتت نجاحها في هذا المضمار. تتضمّن واجبات الوالدَين أن:
- يضعا معًا قانونًا واضحًا في البيت، يعرف فيه الولد ما هو مسموح وما هو غير مسموح.
- يقنعا الولد بأنّهما يمارسان التّأديب لأنّهما يحبّانه ويريدان له الخير والنّضج وإطاعة الرّبّ في طرقه.
- يخبرا الولد بأنّه محبوب رغم الأخطاء الّتي يرتكبها، ويسامحانه كما يسامحه الله أيضًا.
- يحترما الخصوصيّة عند التّأديب والتّأكّد من عدم توبيخ الولد أمام الآخرين.
- يتأكّدا من أنّ الولد اعتذر من الشخص الّذي أساء له.
- يتجنّبا العقاب العنيف الإنفعالي والعشوائي وكلام التجريح الهدّام، فهدف التوبيخ البنيان والتعلّم.
- لا يعاقبا الولد إن كان الأمر المطلوب منه فوق قدرته. عليهما وضع أهداف يمكنه تحقيقها والوصول إليها بالاجتهاد وإلّا أصبح عُرضةً للفشل والإحباط.
- يربّيا الولد ليكون له “ضميرٌ صالح” وليس ضميرًا معذَّبًا، وذلك باعتذاره الفوريّ للمُسَاء إليه عند الخطأ مع تعويض الخسارة النّاتجة، والمسامحة بالمقابل، وبالتّالي الكفّ عن التّأنيب الدّائم.
- يحذرا من إرهاق الولد بأكثر من سلطة واحدة وإلّا يتعب فيتملّص. تعود السّلطة للوالدين فقط في حضورهم. وفي غيابهم يجب أن يعرف لمن يصغي.
إنّ المراقبة الدّائمة للولد والتّصميم على ضبطه ضمن الحدود، مع كثير من المحبّة والتفهّم، يجعل تربيته أمرًا شاقًّا. تصير النّتائج حميدةً حين لا يتراخى الأهل في موضوع التّأديب فيشاهدون براعم الأخلاق الحسنة تتفتّح باكرًا في تصرّفاته. حينئذٍ يشعرون بالرّاحة والفخر والسّرور، “أدّب ابنك فيريحك ويعطي نفسك لذّات” (أم 29: 17).