شغل العالم في الصّيف الفائت مقال نشرته مجلّة “الناشونال جيوغرافيك” (عدد تمّوز)، ومقال آخر نشرته مجلّة “جيولوجي” (عدد آب)، حول موجة تسونامي تضرب سواحل الشّرق الأوسط ولبنان بشكل خاصّ. فالأبحاث الأركيولوجيّة والتّاريخيّة تؤكّد أنّ زلزالاً ضرب سواحل فينيقية، فدمّر مُعظم مدنها من طرابلس إلى صور في العام 551 م. ولأنّ دراسات الأعماق البحريّة والزّلازل تشير إلى أنّ كارثة كهذه تحصل كلّ 1500 سنة، ممّا يعني أنّنا على أبواب كارثة قريبة جدًّا، حيث تضرب موجة تسونامي مُدمّرة شواطئ لبنان، وبيروت خاصّة.
والزّلازل والهزّات هي أمور تحصل في لبنان، ومصدرها تصدّعات في قشرة الأرض تحت مياه البحر الأبيض المتوسّط. لن أدخل في الشّرح العلميّ لموضوع الهزّات والزّلازل وتَسَبُّبِها بالتّسونامي الّتي يُمكن أن تضرب بلادنا مُجدّدًا. (للمزيد من المعلومات العلميّة والتّقنيّة حول الموضوع بالإمكان البحث عبر الإنترنت في مواقع المجلاّت المذكورة). إنّما يهمنّي تسليط الضّوء، في هذه الأسطر، على مسألة مواجهتنا لخطر كبير بحجم تسونامي يتهدّدنا، وقد “تخرب ديارنا”، ونحن لا نحرّك ساكنًا. أولم يكن هذا تصرّف أتراب نوح قبل الطّوفان؟ لقد صرف نوح سنين طويلة يبني الفُلك ويعظ العالم القديم ويُنذره بطوفان وشيك، إلاّ أنّ النّاس لم يُصدّقوه فهلكوا جميعهم عند “تفجّر كلّ ينابيع الغمر العظيم وانفتاح طاقات السّماء”، حيث غرقت الأرض بالطّوفان يومها. بعضهم لا يُحبّ أن يُصدّق القصّة الكتابيّة حول طوفان نوح، على الرّغم من وجود الفلك على جبال “أراراط”، والمتحجّرات على رؤوس الجبال؛ وبالتّالي هو لا يُحبّ أن يُصدّق أيّ إنذار.
قليلون يتعاملون مع الإنذارات الجدّية بطريقة صحيحة. فما الّذي تفعله دولتنا مثلاً لمواجهة تسونامي فيما لو ضربت السّاحل اللّبنانيّ؟ لا شيء. وما الّذي تفعله لمعالجة سيول الشّتاء الّتي تُغِرق شوارع البلد سنويًّا؟ لا شيء. وما الّذي يفعله قادة أوروبّا لمواجهة ذوبان القطب الشّماليّ وارتفاع منسوب المياه الّذي يُهدّد مدنهم السّاحليّة بالغرق؟ لا شيء. وما الّذي تفعله دول العالم لمواجهة التّلوّث البيئيّ والخطر النّوويّ وغيره من الأزمات الكبرى الّتي تُهدّد النّاس والكائنات الأخرى؟ لا شيء. عجيب هو عدم مبالاة النّاس بمواجهة الكوارث والمصائب والآخرة.
لست هنا في معرض تحديد موعد للتّسونامي الّتي قد تضرب بيروت. لكن أرجو أن تدفع مقالتي هذه القارئ إلى تذكّر مشاهد التّسونامي المرعبة الّتي ضربت سواحل إندونيسيا وغيرها من جزر المحيط الهنديّ، وإلى تخيّل نفسه هناك، وقد خسر أحبّاء وممتلكات وكاد يخسر نفسه. الإنسان العاقل يتحسّب للّحظة الّتي تضرب فيها الكارثة المُدمّرة الفجائيّة حياته وعائلته وبيته وعمله، واستعداده يكون بدخول “الفُلك” للنّجاة. فالتّحصّن بالمسيح هو أفضل خيار يأخذه الإنسان استعدادًا للحظة الهلاك الّتي قد تُفاجئه. أمّا النّاس في عهد نوح فاستمرّوا منشغلين بالأكل والشّرب والاجتماعيّات والعمل والتّسلية والعربدة، حتّى فاجأهم الهلاك بغتة فلم ينجوا. إنّ استهتار الإنسان بمصيره، وظنّه أنّه يعيش بسلام في الأرض إلى الأبد لا يفيدانه. تبقى الإجابة عن السّؤال: “كيف سُتواجه تسونامي عندما ستعصف في حياتك؟” إنّ هدف المسيح من مجيئه الأوّل هو خلاص النّاس، كلّ واحد بمفرده. وإن كانت الجموع غير مبالية بمصيرها الأبديّ، يمكن للقارئ أن يُقرّر لنفسه إن كان يُريد الخلاص أو لا. فعلى كلّ إنسان أن يتحمّل المسؤوليّة الفرديّة بخصوص حياته وأبديّته، مُلبّيًا دعوة التّرنيمة:
تعالَ إلى الرّبِّ حصنِ الأمل تـعــالَ ولا تُـهـمِـلِ
تعالَ لـمينا السّلامِ وقُـل شفيـعَ الـمـلا أنتَ لـــــي