Les Trois “C” Du Pasteur
كنتُ في مستشفى أزورُ محامياً مريضاً، وإذا بأحد زملائه، وهو محامٍ أيضاً، يحضر إلى المكان. وبينما كنّا نتبادل الأحاديث حول مهنة المحاماة، انتقلنا، كما كافّة اللبنانيّين، إلى الحديث عن السّياسة، وكان تقييمٌ سريع لحال الزّعماء الّذين يقودون البلاد والعباد، وكان الرّأي أنّ عالمنا يخلو اليوم من القادةِ القادة. وفي سياق الحديث، سمعتُ الزائر الآخر يقول: إنّ العالم اليوم يحتاج إلى قادة ومحامين يتحلّون بثلاث صفات تبدأ بالفرنسيّة بحرف “C” وهي: Conscience; Connaissance; Capacité. فذكّرني كلامه بما يقوله الشّاعر سعيد عقل: “إنّ القائد يجب أن يكون قدّيساً وعالِماً وبطلاً”.
فيما بعد، علمّت الطلاّب هذه الصّفات الثّلاث في صفّ الرّعاية وأنا مُقتنع بأنّ الرّاعي كقائد في مجتمع الكنيسة يحتاج إلى التحلّي بهذه الثّلاث معاً، إذ هو مُقامٌ من الله ليُدافع عن الإنجيل ويقود الكنيسة في سبيل البرّ. إنّ أوّل ما يحتاج إليه الرّاعي هو:
Conscience
الضّمير
قال المحامي، الّذي كان يتكلّم على أخلاق مهنته: إنّ بعضهم اليوم “بهدلوها” لأنّهم فقدوا الضّمير. والكلام هذا ينطبق على عدد كبير من قادة أيّامنا. ماذا نقول عن الرّعاة؟ يحتاج الرّاعي قبل كلّ شيء إلى “الضّمير”. إذا عدنا إلى العهد الجديد، وجدنا بولس الرّسول يقول: إنّه يُدرِّب نفسه ليكون له ضميرٌ بلا عثْرةٍ. إذا ربطنا “الضّمير” Conscience، بعبارة سعيد عقل “قدّيس” لوجدنا أنّهما يسيران معاً. لا يُمكن أن يكون الخادم بلا ضمير وقدّيساً، أو أن يكون قدّيساً وبلا ضمير. هذان الأمران يسيران معاً يداً بيد. فالرّاعي يحتاج في خدمته إلى رصيد كبير من القداسة ليسمع له الناس، وليقودهم في حربهم الضّروس ضدّ الخطيّة، وليحفظ نفسه منها. لكنّه يحتاج أيضاً إلى ضمير حسّاس تجاه نفسه وغيره وأمور الحياة الرّوحيّة والأخلاقيّة. فراعٍ فاقد الضّمير يُمكن أن يرتكب أشرَّ الخطايا، ومنها إساءة التصرّف المهنيّ. كلّنا نسمع بأطبّاء لا ضمير لهم، يستخفّون بالمرضى، ولا يهدفون إلاّ إلى الرّبح الكثير والسّريع. وكذلك بالنّسبة إلى بعض المهندسين الّذين يعملون من أجل المال، ولا يبنون بيوتاً متينة، فتسقط سقوطاً عظيماً، ممّا يؤدّي إلى خراب بيوت النّاس! لكن، ما عسانا نقول عن راعٍ بلا ضمير؟ هل هناك راعٍ يتّصف بهذه الصّفة؟ نعم! وهو يعمل بأنانيّة من أجل الرّبح القبيح والمنصب، من دون أن ينتبه إلى أنّه يعمل بالمقدّسات، وعليه أن يحافظ عليها كما يجب. ماذا عن الضّمير والوقت الّذي نقضيه في الخدمة، والمال الّذي يوضَع بين أيدينا، وسمعة الآخرين واستخدام اللّسان، والحفاظ على المبادئ عالية من دون مساومة؟ إذاً، يحتاج الرّاعي إلى أن يكون قدّيساً وصاحبَ ضميرٍ قبل كلّ شيء.
كذلك على الرّاعي أن يكون ذا:
Connaissance
علم
تابَعَ المُحامي الكلام على أهميّة الدّرس لدى المحامين من أجل ربح الدّعاوى وإنصاف النّاس. قال: على المحامي أن يستمرّ في البحث، وشراء الكتب والمجلاّت، وحضور النّدوات. وبالفعل، فإنّ القائد، مهما كان حقل عمله، يحتاج إلى المعرفة ليُحسِنَ التّصرّف. نرى أنّ بولس يوجّه رسائله إلى الشباب الّذين خدموا معه، ليعلَموا كيفيّة التصرّف في بيت الله، وماذا يعملون بينما يخدمون الرّب. يطلب منهم أن يواظبوا على القراءة والفهم. الله في القديم وَعَد بأن يُقيم رعاةً لإسرائيل ليرعوا شعبه بالعلم والمعرفة. يحتاج الرّاعي الإنجيلي إلى العلم ليستطيع القيام بخدمته على أفضلِ وجه. هو ليس بخادمٍ للأسرار والمذبح يقوم بمهمّات كهنوتيّة لا تتطلّب معرفة كثيرة. بل خادم المنبر والإنسان، وهذان حقلان بغاية الأهميّة والصّعوبة. وليتمكّن الإنسان من الخدمة كراعٍ صالحٍ، عليه أن يُتابع التّنقيب في كلمة الله وكافّة العلوم المتعلّقة بها وبالكنيسة. قيادة شعب الله في هذه الأرض تُلزِم الرّاعي بأن يتطلّع إلى علوم اللاهوت والإدارة والقانون والسّياسة والنفس والفلسفة والاجتماع والآداب وغيرها. لا يقدر الرّاعي اليوم على قيادة الشّعب بعصا الوقار الّذي يؤمّنه له منصِبُه. فالنّاس لا يمشون إلاّ خلف قائدٍ واعٍ متعلّمٍ وحكيمٍ، يعرف إلى أين يقودهم، وهم مطمئنّون إلى أنّه يقودهم إلى شاطئ الأمان بخطوات مدروسة. هذا ما يُميّز، اليوم، قائداً عن قائد، وراعياً عن راعٍ، وكنيسة عن كنيسة. فالعلم يؤمّن الفرق كلّه. من دون رؤيا وعلم يجمح الشّعب. العلم يُنمّى بالدّراسة النظريّة ورفقة العارفين والتّشاور معهم والاستفادة من خبراتهم. أنّ العلم ينفخ، صحيح، لكنّه لا يُكتسَب إلاّ بالتّواضع الفكريّ الضروريّ الّذي يسمح للإنسان بالاستفادة من كلّ كبير وصغير.
أيضاً يحتاج الرّاعي إلى:
Capacité
القدرة
أعود للمحامي الّذي تكلّم على حاجة أهل مهنته إلى القدرة والديناميكيّة في الحركة. هناك محامون عاجزون، ومحامون متقاعسون، وآخرون بليدون، وكسالى. كذلك الوضع بالنّسبة إلى القادة. إنّه لأمر عجيب جدّاً أن يكون أحدهم قائداً وهو عاجز! ولو انتقلنا إلى الرّاعي كقائدٍ لشعب الرّبّ، نرى أنّه هو أيضاً يجب أن يكون قادراً على قيادة كنيسته في مسيرتها وفي خدمتها. عليه أن يكون قادراً على رؤية الأشياء الّتي لا تُرى، وعلى تحقيق الأحلام المقدّسة. على الرّاعي أن يكون قادراً على بثّ الحياة في صفوف الأخوة، وعلى حلّ النّزاعات بين المتخاصِمين، وعلى مواجهة التحدّيات والصّعوبات، وعلى تشجيع الضّعفاء والوقوف بجانبهم. كما عليه أن يكون قادراً على استنباط الحلول وتحدّي المصائب، والعمل في ظروف صعبة وضمن هامش وقتيّ ضيّق. إنّ القدرة لا يُمكن الاستغناء عنها في الأرض، “فالرّخاوَةُ لا تُمسِكُ صيداً”. والأسوأ في الموضوع، أنّ الله يلعن مَنْ يقوم بعمل الرّبّ برخاء (إر 48: 10). يحتاج الرّعاة إلى القدرة على رعاية شعب الله العظيم هذا. لكنّ هذه القدرة لا تكون قويّة كفاية إن كانت فرديّة، بل تتضاعف، وتزداد عندما يُدرك الرّاعي أنّه بمفرده غير قادر على شيء. فيربط نفسه بشعبه وبقياديّي رعيّته وبرعاة آخرين، إذْ “ويلٌ لمَنْ هوَ وحدَهُ”. لقد رتّبَ الرّبّ للمؤمنين أن يكونوا في جسد المسيح، فهناك يكونون معاً. الوِحدَة مصدر قوّة الكنيسة. على الرّعاة معرفة كيفيّة جمع الرّعيّة لتصير قويّة. إنّ جَمْع الرّعيّة حول شخص الرّاعي وهمومه الشّخصيّة قد يُعطي الكنيسة قوّة ما، غير أنّها محدودة وآنيّة. أمّا جَمْع الرّعيّة حول شخص المسيح والعقيدة والخدمة والأهداف السّامية والبرامج المفيدة يجعل منها جيشاً بألوية. فالتّشتّت والانعزاليّة والانطوائيّة لا تأتي إلاّ بتبديد القوّة. الرّبّ أراد لرسله أن يتعلّموا هذا الدّرس فأرسلهم اثنين اثنين، إذ “ويلٌ لمَنْ هو وحدَهُ”. إنّ الاعتداد بالنّفس والادّعاء بالقوّة لا يُساعدان على شيء إلاّ على خراب الإنسان والآخرين من حوله. أعود لقول الأستاذ سعيد عقل: إنّ القائد يجب أن يكون “بطلاً”. البطل في فكر سعيد عقل ليس المتهوّر أو “العنتر”، بل هو القائد صاحب القلب القويّ، والذّراع القويّة، والشّهم صاحب المروءة والمستعدّ في كلّ لحظة لأن ينتصر للحقّ ويحمي المُستضعَفين ويقود شعبه نحو الخير والجمال والسّعادة. إنّه البطل الّذي لا يطلب ما لنفسه بل يستعدّ دوماً لأن يموت لأجل الغير. لو قرأنا يوحنا 10، لرأينا أنّ الرّب يسوع المسيح تكلّم على هذا البطل عندما تكلّم على الرّعاة الحقيقيّين.
كلمات لا تُنتسى
ثلاث كلمات: Conscience, Connaissance, Capacité تعلّمتها مؤخّراً وعلّمتها للشبيبة في الكنيسة، كما لصفّ علم الرّعاية في معهد اللاهوت المعمداني اللّبناني. ثلاث كلمات تعلّمتها منذ زمن من الشاعر سعيد عقل، وهو يقول: إنّ القائد يجب أن يكون قدّيساً وعالِماً وبَطَلاًَ. أترك هذه الكلمات الثّلاث بالفرنسيّة والعربيّة، لطلاّب علم الرّعاية، الّذين لا أعرف مَنْ يكون منهم في مجال الرّعاية يوماً ما، وذلك ليحفظوها طوال حياة خدمتهم. قد يخاف بعضهم ويقول: ولماذا تقتبس مفردات من أهل الدّنيا! رويداً، إنّ هذه الكلمات هي من صُلب الكتاب المقدّس. إنّ كتاب “ليروي أيمز”: “كيف تكون قائداً جديراً”، هو من أفضل الكتب الّتي تشرح القيادة المسيحيّة، وهو يؤكّد أنّ رجال الله كانوا حقّاً أبطال الإيمان، وقد تحلّوا بهذه الصّفات الثّلاث، وقادوا شعب الله إلى أعلى القمم حيث زرعوا راية عمّانوئيل. أمّا مَنْ أهمَلَ هذه الصّفات الثّلاث، فقد نزل من موكب نصرة المسيح، وعاش على قارعة الطّريق من دون أن يكون مُفيداً في عمل الرّب، كما يرغب رئيس الرّعاة.