يشهد مجتمعنا ، على الرّغم من مآسيه الفظيعة و الّتي لا تعدّ ولا تحصى؛ ما يشبه الغوص في نفق أسود من التّفاهة والسّطحيّة والأخطر من كلّ ذلك، نشهد على طفرة غير مسبوقة من الماديّة المدمّرة وهجوم النّاس على امتلاك أغلى الملابس والسّيارات والإنفاق على حفلات ومآدب وصخب هستيريّ لم نشهد له مثيلًا حتّى في ذروة أيّام الاستقرار والازدهار، التي ميّزت وطننا في عهود ماضية.
هل يحصل ذلك جرّاء ردّة فعل ما إزاء الأزمات التي حصلت، أم بسبب طبيعة الإنسان المنحرفة والميالة إلى البذخ والإسراف، في مكان ما، بسبب لاوعيه واستهتاره بالنّعمة الّتي حصل عليها ؟
وعليه، أودّ أن أطرح السّؤال بطريقة فكاهيّة بعيدًا عن الجديّة، بطريقة سوف تثير حفيظة سيدات كثر يعشقن الموضة والماركات الغالية “الموقعة” signee.
ما هو الفرق المنطقيّ بين حقيبة يد نسائيّة عاديّة وحقيبة من ماركة: “لويس فويتون” يصل ثمنها إلى آلاف الدّولارات؟
هل علينا واجب مُنزَل أن نساهم في تراكم ثروة الخواجة لويس فويتون لتصبح بالملايين وحتّى بالمليارات أم علينا أن نضع أغراضنا وحاجياتنا في حقيبة عاديّة نستعملها في تنقلاتنا اليوميّة؟ ماذا يضرّنا لو كانت الحقيبة عاديةً جميلًة ظريفةً حديثةً ألوانها زاهية وسعرها معقول وعلى الموضة؟
في كتابه “رحلة الموت من البيت الأرضي إلى البيت الأبدي” يقول القسيس إدكار طرابلسي في الصفحة 94 التالي: “يقول الكتاب المقّدس أنّ الإنسان يحيا حياةً واحدةً على الأرض، ولا يقدر أن يقف أمام الموت ويقاومه، إذ ليس له سلطان على الرّوح ليمسك الرّوح، ولا سلطان على يوم الموت”.
ويتابع قائلًا: “والموت يفصل بين أرواحنا وأجسادنا في اتّجاه واحد sens unique من دون أن تعود إلى الأرض ثانيةً، لتكون في حضرة الآب. وهناك أمام الديّان يقف الإنسان مسؤولًا عن أقواله وأفكاره وأعماله ومواقفه في حياته الأرضيّة ويقدّم عنها حسابًا ثمّ يتابع مسيرته نحو حياته الّتي يستحقّها إلى الأبد.”
لفتتني في هذا الكلام مسألة تقديم الحساب. فحساب كثرة الإسراف في البذخ لا وزن له ولا قيمة بتاتًا في الحياة الأبدية. فلا فرق بين من تقلّد الذّهب والجواهر والألماس والّذي لم يرَ في حياته أيّ شيءٍ من هذه المعادن والأحجار الكريمة. الفارق الوحيد الأهمّ هو نوعيّة حياتنا الّتي نحياها وأعمالنا الّتي نقوم بها على هذه الأرض طوال أيّامنا.
من قام ووزّع ولو ابتسامة بسيطة لأخ له في الإنسانيّة كان يعاني من حالة ألم أو ضيق، يساوي عمله هذا كلّ جواهر الأرض وما يمكن أن تكتشفه سفن الفضاء من معادنَ ثمينةٍ على الكواكب المجاورة! أما قال المسيح أنّ من يُعطي كأس ماء لعطشان أو يزور مريضًا يُحسَب له أنّه كمن أكرمه شخصيًّا فيكون أجره عظيمًا في ملكوت الله؟
خلاصة الكلام؛ لقد فاقت المادّية حدود المنطق والمعقول ولا ضير في إعادة التّفكير في سلوكيّاتنا الاجتماعيّة ونمط حياتنا ومفاهيمنا وقيمنا وكيفيّة صرف أموالنا وما نأكل ونشرب ونلبس؛ ولنتذكّر قليلًا ما قاله أفلاطون: “إنّ المجتمع الّذي لا يعاني من الفقر الشّديد، ولا يعاني من الثّروات الهائلة، سيكون لديه دائمًا كلّ المبادئ النّبيلة”. عيشنا بنبل له قيمة إنسانيّة أرفع من تحوّلنا إلى مُجرّد أناس ماديّين فارغين لا يعرفون قيمة الحياة الأسمى.