يمكن تعريف المسؤوليّة الشخصية على أنّها التزام بما يصدر عنا من أقوال وأفعال، وهي تفترض التوقّف عن إلقاء اللوم على الآخرين أو على العوامل الخارجيّة غير الاراديّة، واعتماد نهج تحمّل المسؤوليّة الفرديّة. وعليه، “أنا دائمًا مسؤول” عن سلوكيّاتي الخاصّة وعن بيئتي الخاصّة من النّواحي الأخلاقيّة، الإداريّة، والاقتصاديّة وغيرها. والمسؤوليّة الشخصيّة تلازمها ميزات خاصّة كالشّجاعة وامتلاك القيادة والقدرة على التغيير في الذّات والمجتمع تجعلها رفيعة المقام. وتبرز أهميّة “المسؤوليّة الشخصيّة” في المسيحيّة مع أوّل صفحات سفر التكوين في الكتاب المقدّس.
فعندما أكل آدم وإمرأته من الشجرة الموصى ألّا يأكل منها، وبعدما سأله الرّبّ الإله، بادر آدم إلى رمي مسؤوليّة سقوطه في الخطية على المرأة والذّات الإلهيّة بقوله: “المرأة التي جعلتها (أنت) معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت”. وعندما توجّه الرّبّ الى نظيرته المرأة سائلاً “ماذا فعلت؟” رمت بدورها المسؤوليّة على “الحيّة غرّتني فأكلت”.
وهكذا فعل أيضًا قايين الّذي اغتاظ من أخيه هابيل لأن الرّبّ نظر إلى قربانه، راميًا مسؤوليّة هزالة تقدمته على هابيل وليس على نفسه، ومتناسيًا أنّ تقدمته كانت فقط “من أثمار الارض” بينما أخوه هابيل قدّم “أبكار غنمه”. كذلك عندما سأله الرّبّ “أين هابيل أخوك؟” كذب قايين وتهرّب من المسؤوليّة قائلاً: “لا أعلم! أحارس أنا لأخي؟”
ورُبَّ سائلٍ: ولماذا يسأل الله كلّ من آدم وحواء عمّا فعلاه وهو العالِم بكلّ شيء؟ أمّا الرّبّ الإله فسأل أبوينا الأوّلَين عمّا فعلاه ليجعلهما يفتكران فيما فعلاه ويندمان عليه ويعترفان بخطئهما؟ إنّ تحمّل المسؤوليّة يدفعنا للاعتراف بالخطأ ومعه تأتي التوبة وطلب المغفرة للتّغيير القلبي الذي هو بداية طريق الخلاص لينتشر تأثيره في المجتمع حولنا.
المسؤوليّة الشخصيّة لا تعني مجرّد لوم الذّات والسّقوط في فخّ اليأس والاحباط. إنمّا هي الاعتراف بأنّ الفعل الّذي أقدمنا عليه مخالف للقيم المستقيمة وبالتالي علينا المبادرة الى القيام بكلّ ما هو لازم لتصحيح الخلل القيمي الذي ارتكبناه.
وتترافق المسؤوليّة الشخصيّة مع الثّقة بالرّحمة الإلهيّة العادلة. فالله الرّحوم والعادل وضع على قايين “علامة لكي لا يقتله كلّ من وجده”، وأعطاه أيضاً ثقةً بالذّات المستمدّة من القوّة الّتي أعطاها الرّبّ لأبنائه من المسيح “نسل المرأة (الذي) يسحق رأس الحيّة”.
تحمّل مسؤوليّة التّغيير بكلّ شجاعة نابعة من القلب تُساعدنا أن نجد الخلاص في حياتنا الرّوحيّة والشّخصيّة والعائليّة والمجتمعيّة والوطنيّة.