شو فيها... معليش!

في العام 2011 ، شاهد الملايين عبر الشّاشات موجات "التّسونامي" الرّهيبة الّتي ضربت ساحل اليابان، وشابهت سابقاتها الّتي ضربت سريلانكا، وأدركوا هول الكارثة وما خلّفته من خسائر! إنّما رعب هذه الموجات "التّسوناميّة" وخسائرها بقي محصورًا في مكان جغرافي محدّد من العالم، فاطمأنّ النّاس وارتاحوا! أمّا في واقع الحال، فهناك موجة "تسوناميّة" لا يُعيرها أحد انتباهًا، وهي أكبر وأخطر وسوف تجتاح العالم بأسره مخلّفةً وراءها دمارًا أخلاقيًّا هائلاً، ألا وهي موجة الـ "شو فيها... معليش!" فنحن نعيش، اليوم، في عصر انحدرت فيه القِيَم والأخلاق إلى الحضيض، وسمحنا لأنفسنا بالسّقوط في ما كان يُسمّيه الآباء والأجداد بالممنوع والمحرّم، وكلّ ذلك بينما نقول: "شو فيها... معليش!".
فها هي محطّات التّلفزة تتسابق إلى عرض برامج النّكات البذيئة الّتي لم نكن نتجرّأ في الماضي حتّى على قولها في المجالس الخاصّة، وصار يتبعها ملايين من المشاهدين من دون الشّعور بأيّ تأنيب ضمير وهم يقولون: "شو فيها؟ معليش! الضّحك يطوّل العمر!" وهكذا، يغضّون النّظر عمّا تستطيع مثل هذه النكات أن تفعله في إفساد أخلاقنا، ضاربين عرض الحائط قول الرّب يسوع: "إنّ كلّ كلمة بطّالة يتكلّم بها النّاس سوف يعطون عنها حسابًا يوم الدّين".
ونتفاخر أيضًا بأنّنا في مجتمع منفتح، ونقول: "شو فيها"، إن مارسنا الجنس قبل الزّواج "معليش"، فنحن نريد أن نختبر كلّ شيء قبل الارتباط بشريك الحياة! ويقول آخرون: "شو فيها" إذا جرّبنا المساكنة، "معليش"، فنحن نتجنّب الطّلاق إن لم نتّفق، وهكذا نُحطّم بالصّخر أوّل مؤسّسة أسّسها الرّبّ وأعظمها، وهي العائلة الّتي تتأسّس عن طريق الزّواج والارتباط المقدّس (عبرانيين 4:13).
وماذا عن موجات الأفلام الشّيطانيّة والموسيقى الصّاخبة الّتي تجتاح الشّبيبة والأولاد في الغرب والشّرق، والجميع يُقلّل من خطرها قائلاً: "شو فيها؟ معليش! بدنا نموّه عن أنفسنا!" ويتغاضى النّاس عن التّأثير السّلبيّ لهذه الموسيقى فيهم؟ وماذا عن موجات الإباحيّة الآتية عبر الإنترنت والفضائيّات، والّتي تجتاح الأفراد والبيوت حول العالم بينما الكّل يقول: "شو فيها؟ معليش! أنا قويّ ولا أتأثّر بالأمر!"؟ وبذلك نستهزئ بقول الكتاب المقدّس "أمّا الشّهوات الشّبابيّة فاهرب منها واتبع البرّ والإيمان والتّقوى...".
وماذا أقول عن الاستهتار بنوعيّة الإنتاج وبالأداء الوظيفيّ وانتشار الفساد في جميع الدّوائر المهنيّة والوظيفيّة؟ أليست هذه أيضًا موجات "تسوناميّة" تضرب المجتمعات وتُدمّرها، بينما الكلّ يقول: "شو فيها؟ معليش! الشّاطر ما يموت!"؟
يمكننا أن نعدّد الكثير من الموجات "التّسوناميّة" المماثلة الّتي تجتاح الأرض، بينما النّاس لا يُرَوَّعون من خطرها، أمّا الحكيم المتبصّر فيجلس مترقّبًا سقوط المجتمعات، إذ لا "معليش!" ولا "شو فيها!"، فهو يعرف القاعدة الإلهيّة الثّابتة: "الّذي يزرعه الإنسان إيّاه يحصد أيضًا". وهو يعرف أيضًا أنّ يوم المحاسبة، بناء على أحكام كلمة الله، قريب ولن تسوده فلسفة "شو فيها؟ معليش!"
مَن يقرأ الكتاب المقدّس يتعلّم التّمييز بين الحقّ والباطل، بين النّجس والمقدّس، وينزع من فمه كلمات الاستهتار وقلّة المسؤوليّة "شو فيها؟ معليش!" فالأخلاق لا يُستهتَر بها، إذ "ويلٌ للقائلين للشّرّ خير وللخير شرّ"، أمّا السّلام فهو لِمَن يتمسّك بكلام الرّبّ. إنّ أكثر ما نحتاج إليه، اليوم، هو أن تجتاحنا موجات الخجل والانكسار والتّواضع والتّوبة والعودة إلى الرّبّ، لأنّنا قد تعثّرنا بإثمنا. ليتنا نستبدل هذه العبارة المستهتِرَة: "شو فيها؟ معليش!" بما هو أفضل منها: "كلّ شيء مهمّ، وأنا مسؤول عن خياراتي وأعمالي أمام رقيب النّاس الّذي يعرفني بالتّمام!"
- رد
الرابط الثابت