الإنسان كائنٌ إجتماعيٌّ خُلق ليعيش بسلام. لكن، غريزة البقاء المجبولة بالخطيّة المتجذّرة في نفسه تُدمّر هذا السّلام. فهي تُبلوِر الخلافات، بدءاً من النّزاع الدّاخلي مع النّفس إلى النّزاع مع الآخر. وبين الحاجة إلى السّلام والطّبيعة البشريّة المشاكسة، ازدادت الحاجة إلى طُرُق ووسائل تحفظ السّلام وتحلّ المشاكل، فكانت المفاوضات والتّوفيق والوساطة واللجوء إلى القضاء.
السّلام هو فكرة الكتاب المقدّس الرئيسيّة، حتّى أنّ الرّوح القُدّس دعاه “إنجيل السلام”. الإنسان وخطيّته وعصيانه أفسدت الأرض، نازعة السّلام. بالرّغم من كلّ المحاولات البشريّة لحلول السّلام، لم يتحقّق هذا كون الطّبيعة البشريّة لم ولن تتغيّر. السّلام لا يعني فقط إيقاف الحرب والنّزاعات، بل يعني وجود وتثبيت المحبة بين طرفين، حيث تُنسى كلّ الأحقاد، وتُبنى علاقاتٌ سليمةٌ متصالحةٌ تعمل على حلّ المشاكل بدل تفاقمها. فكيف يحصل هذا في ذلك الجوّ من الإنحطاط؟
صناعة السلام ليست بالأمر السّهل، خصوصًا أنّ أساسها الوحيد هو الشّكل والنّظام الّذي وضعه الرّب يسوع، ألا وهو أنّ تسوية الخلاف أكثر أهميّة من العبادة، وإنّ حلّ النّزاع مع الخصم يجب أن يكون سريعًا قبل أن تتضخّم المشكلة. ولكن، أليس هذا صعبًا ويتطلّب الكثير من التّواضع والتّضحية؟ نعم، ولذلك، ليس الجميع صُنّاع سلام!
إقامةُ الصّلح بين المتخاصمين ليس فقط على أسس وتقنيات علميّة من عِلْم التّواصل وعِلْم النّفس والذّكاء العلائقي، بل على روحيّة الكتاب المقدّس إنطلاقًا من السّلام الشّخصيّ والمصالحة مع الله حتّى يستطيع صانع السّلام أن يسعى لإحلال الّسلام مع الآخرين وبين الآخرين. فصانع السلام الحقيقيّ هو تلميذٌ للرّبّ يسوع وسفيرٌ له. يحتاج هذا الفرد إلى رصيدٍ عالٍ من المحبّة والصّبر والاحتمال والبذل.
لم يكن هناك رجاءٌ في السّلام لولا الصّليب حيث صار المسيح، إله السّلام، سلامنا. على الصّليب، صالحنا الرّب يسوع مع الله أبيه بدمه، وكذلك صالح الإنسان مع أخيه الإنسان، معطيًا إيّانا “خدمة المصالحة” إن قبِلنا. فصانعو السّلام يعلنون هذه الحقيقة، ويُبشّرون بإنجيل السّلام ويطبّقونه في حياتهم وفي حلّ النّزاعات. هؤلاء هُم صانعوا السّلام الذين يُدعون “أبناء الله”.