سَبَّبَ ضيق الأحوال الإقتصاديّة وتراجع قيمة العُملة الى انهيار رواتب العسكريّين ورجال الأمن وموظّفي الخدمة المدنيّة والسّياسيّين وتراجعها، وتدهورت قدراتهم الشّرائيّة. وبدلاً من أن يخوض أولئك حروباً ضِدّ الفساد وتطبيق النّظام وحماية الوطن والمواطن، بدأوا يخوضون معارك يوميّة ضدّ الجوع والمَرَض والعوز.
هذا الوضع المأساويّ دفع بالعديد من هؤلاء إلى عدم القيام بمهامهم على أكمل وجه، أو حتّى الفرار من خِدمتهم وعدم الإكتراث لتبعات ما سيتركه الفراغ الذي ينشأ. أما آخرون، ولإيمانهم بأنّ خدمة الوطن هي خدمة وواجب، ولأنّهم يؤمنون بالمسؤوليّة الوطنيّة، قاموا بمُمارسة أعمالٍ ومِهَنٍ أُخرى لتأمين مدخولٍ إضافيّ لحماية عائلاتهم من الوصول الى الفقر المُدقع بينما أكملوا خدمتهم الوطنيّة. فهم ضحّوا بأنفسهم لخدمة الآخر. هؤلاء لم يُريدوا ضرب هيبة العسكر والدّولة، ورأوا في خِدْمَتِهِمْ ما يَستحِق الدّفاع عنه والتّضحية في سبيله. لم يروا أنّ التّقصير في عملهم سيحلّ المشكلة، بل وجدوا أنّ ذلك سيُضعف الوطن ويَكسر مواطنيه.
المسيح كان يربط كثيراً بين عمل الإنسان ووضعه الإجتماعيّ، وقد أعطى نفسه رمزاً للعامل النّشيط والمُخلِص. فالرّب شجّع على العمل ورَفَض الكسل الّذي يُفقِر صاحبه. وقد عَلَّم أيضاً أنّ الله هو الّذي يُعطي القُوَّةَ والصِّحَةَ والعمل والمردود، لذا وُجِبَ الاتّكالُ عليه والعمل بأمانةٍ كما للرّب حتّى في خدمة الوطن. وقد اعتبر المسيح أيضًا أنّ القانون سامٍ وعادل ونافع، ويجب الالتزام به وعدم كسرِه. وأكثر من هذا، الكتاب المقدّس ينظر إلى العسكر والقضاة والسياسيّين وأولئك الّذين يعملون في إدارات الدّولة على أنهّم خُدّام الله للصّلاح، تماماً كالرّعاة الّذين يرعون كنيسة الله.
نعم، يجب على السُّلطة السّياسيّة أن تَضع خُطةً إقتصاديةً سريعةً واضحةً ومدروسةً للحفاظِ على الوطن وحمايته من الإنهيار الكبير وللحفاظ على مؤسّساتها والّذين يعملون في خدمتها. نعم، على العسكريّين وموظّفي الدّولة وسياسيّيها الصّبر رغم الظّروف الصّعبة، وعدم الفرار من المسؤوليّة، لأنّ ذلك ليس فقط رفضًا لأداء خدمة الوطن، بل هو أيضاً كسْرٌ لوصيّة الله.