أسوأ أمراض الإنسان هو عيبٌ ورثه بالولادة، عيبٌ يغفره لنفسه كلٌّ منّا ولا يُحاول التخلّص منه: إنّه الأنانيّة.
أفلاطون
مركزيّة الأنا
ما هي الأنانيّة؟
هي أن يظنّ الإنسان أنّه محور الكون، ومن أجله خُلِق الكلّ. في الأنانيّة تتعاظم “الأنا” لتصير الذّات الأولى في الحياة، فيصير المرء عابدًا لها ويطلب الكلّ لنفسه. إذًا، الأنانيّة تتعارض مع الإيمان بإله خارج الذّات وتنجذب النّفس إليه. تتضارب الأنانيّة بشكل قويّ وعنيف مع الإيمان بالله، وإن لم يُقرّ بذلك الأنانيّ. وعند كلّ استحقاق يُظهر أنّ لا إنسان ولا إله في العالم سوى نفسه يستحقّ التّضحية والعطاء والاهتمام والحبّ والتّكريم. مركزيّة “الأنا” لا تسمح بشريك لها أو بِمُضارِب. فالذّات الإنسانيّة لا تتّسع لأكثر من كرسيّ واحد يجلس عليه سيّد واحد. وإن كان في الكون إلهًا، لما سمح هذا الأنانيّ لذلك الإله أن يأخذ موقع الكرامة الأوّل في حياته. ويُعرّف بعضهم الأنانيّة بأنّها فلسفة “إنسانيّة شيطانيّة” تُعظّم المخلوق على الخالق. وفي الواقع، الأنانيّ لا يبحث بفلسفة ما، ولا يهمّه لاهوت ما، فالفلسفة عنده واللاّهوت يتمحوران حول ذاته وهما عنده في خدمة ذاته المجيدة.
محدوديّة الرؤيا
لا يمكننا التّكلّم على الأنانيّة من دون أن نرى عماوتها الّتي لا تسمح للأنانيّ أن يرى غيره في الحياة. ولا توجد عنده قضايا كبرى تستحقّ منه التفاتة أو مساندة. الأنانيّة تُعمي بصيرة صاحبها، ولا تسمح له حتّى أن يتخيّل العطاء والاهتمام بالآخر، وإن كان قريبًا أو عزيزًا. أمّا تجاهل الآخر فليس عن قصد، بقدر ما يكون بسبب المحدوديّة التي لا تسمح له أن يرى أحدًا خارج ذاته أو قضيّة أو حتّى أيّ أمر آخر. لذا، لا ينفع إقناع الأنانيّ برأي أو بنقاش، فهو لن يفهمه، إذ لا قدرة داخليّة تسمح له أن يستوعب ما يأتي من خارج أناه المسيطرة على عقله غير المتجرّد. لذا، يعجز الأنانيّ عن الامتداد في الحياة لأبعد من حدود ظلّه، وإن مشى مع صحيح القلب ألّمه وخرّب عليه مسيرته. يعجز الأنانيّ عن النّقاش والمساهمة في أيّ مشروع مشترك يفيد الآخرين. محدوديّة الرّؤيا عنده ليست مشكلة، بل هو يعتبرها مزيّة ويجعل منها موقفًا صلبًا يُفاخر بتبنّيه، ولو من دون أيّ تبرير. هذه المحدوديّة تجعله يُعظّم “الفردانيّة”، فتغدو له فلسفة حياة سعيدة على الرّغم من انعزاليّتها وإلغائها للآخرين.
مشروعيّة الخطايا
وإن حاولنا سبر غور الأنانيّة لوجدنا فيها تبريرًا لكلّ الخطايا الّتي تحلو لصاحبها. فالأنانيّ تجرفه ميوله وشهواته فلا يقدر على مُقاومتها، وغالبًا ما يكون نرجِسيًّا مُفتَتِنًا بجسده، مُفرطًا في طلب الملذّات ولو كانت على حساب ضحايا يتركهم حطامًا. وهو كاذب، يتصنّع الخجل والتّواضع، فقلّما نقابل أنانيّ يُصرّح عن حقيقة نفسه، لكن سرعان ما نكتشف علّته الّتي لا يمكنه سترها. أمّا أنانيّته فتُبرّر له جشعه وطمعه وتلاعبه في الأمور لتؤول لصالحه بأيّة طريقة وبأيّ ثمن. والأنانيّ هو انتهازيّ يُبرّر الخيانة والتآمر والظّلم والعدائيّة عندما يتعلّق الأمر بمصلحته أو بتتميم شهوته. هكذا يكون الأنانيّ إنسانًا شرّيرًّا وفاسدًا وغير مُتّزِن، وإن ادّعى حبّ الحياة المشروع. كيف يكون الأنانيّ شخصًا روحيًّا يُشبه المسيح وهو مضروب بخطايا تعدمه الحياة الفاضلة؟ وهل من علاج للأنانيّة؟ نعم. وذلك في العمل بحسب “وصيّة الوصايا”: “تُحِبُّ الرَّبَّ إلهكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، ومِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، ومِنْ كُلِّ فِكْرِكَ… وتُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ”. وهل إنساننا المعاصر يحبّ الله وأخيه الإنسان بالطّريقة هذه؟ تشفي هذه الوصيّة مَن يحفظها مِن داء الأنانيّة البغيضة، فتصير حياته أكثر شبهًا بيسوع.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.