إلهنا يستحقّ التسبيح
التّسبيح لله، يعني إعراب المدح والثناء له. وهو تقديم الحمد والشّكر والإكرام عبر العبادة الفَرِحَة لشخصه. تتميّز جماعة الإيمان بكونها تُحبّ التسبيح لله وهذا ما يُلاحظه جميع الدّاخلين إلى الكنائس. علّم يسوع تلاميذه التّسبيح. وهم ما انكفأوا يُسبّحون في جلساتهم وفي تجوالهم معه وكلّما اجترح عجيبة قدّامهم. ولا يُنسى تسبيحهم لله عند خروجهم من العشاء الأخير.
ويُعلّمنا الكتاب أنّ نُسبّح الله بوساطة المسيح مِمّا يُفرّح قلب الله: “فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ ِللهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ.” (عب 13: 15). التّسبيح هو أسمى تعبير عن عبادة الله، إنّه كذبيحةٍ مرفوعةٍ أمامه.
وقد يسأل أحدهم: ولماذا نُسبّح الله؟ وأنا أسأل ذاك: ولماذا لا نُسبّحه؟ وأسأل أيضًا: لماذا تُخفق بعض الكنائس عن جعل التسبيح جزءًا أساسيًّا حيويًّا من عبادتها؟ ولماذا هناك من يعتدّ بكون الترنيم والتسبيح ليس سوى المدخل إلى العظة، فلا يُعطيه حقّه في خدمة العبادة؟ هؤلاء يُعانون من قيظ روحيّ في عبادتهم. أمّا الكتاب المقدّس فيُعلّم المسيحيّين أن يُسبّحوا الله للكثير من الأسباب.
يُسبّحون الله لرحمتهِ
الرّبّ صالح ورحوم ويُظهِر رحمته بالغفران للمؤمنين. المؤمن يُسبّح اسم من خلّصه. فهو يُقدّر المخلّص إذ بدونه لا خلاص له من خطاياه. وكلّما تذكّر أين كان، وكيف كان، وإلى أين كان سيذهب، طفر تسبيحًا لاسم إلهه. هذا ما جعل داود التائب يقول: “بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ.” (مز 103: 3). واختبار الخلاص هذا يُفجّر في داخل المؤمن فرحًا مُميّزًا لا يكون لأيّ سبب آخر في الحياة. فلا النّجاح الدنيويّ، ولا الزواج، ولا الإنتصار المعنويّ، يُفجّر فرحًا أبديًّا كما يفعل اختبار الخلاص، “وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِتَرَنُّمٍ، وَفَرَحٌ أَبَدِيٌّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. وَيَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ.” (أش 35: 10).
يُسبّحون الله لقداسته
نحنُ نُسبّحه لأنه قدّوسنا ومُقَدِّسَنا. ففيه نبع قداسة لا ينضب. ومنه نقدر أن نأخذ قداسة قدر ما نحتاج وقدر ما نُريد. من أتعبته الخطيّة وعرف نجاستها وآلامها وطلب الخلاص يشتاق للتقديس. وإذ يختبر رحمة الله يتقدّس ويمتلئ قلبه فرحًا فيرفع التسبيح للّذي قدّسه. إنّ إله الكتاب المقدّس ينفرد عن غيره من الآلهة أنّه يُريد تقديس النّاس ولا يُريد سحقهم. وبينما إبليس يُريد إسقاط الناس بالخطية ليُشابهوه، الله يُريد تقديسهم ليكونوا على مثاله. الله يُريدهم أن يختبروا قداسته ويفرحوا بها. هذا ما نراه في الكلمات التالية: “مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزًّا فِي الْقَدَاسَةِ، مَخُوفًا بِالتَّسَابِيحِ، صَانِعًا عَجَائِبَ؟” (خر 15: 11). إن تأمّلنا بقداسة الرّبّ
يُعزّينا ويُفرّحنا فنزداد تسبيحًا لأنّنا فيه نصل إلى اختبار التقديس، أو التبرير المتنامي، مما يزيد المؤمن ثقة بإلهه وفرحًا به. “فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ” (أش 61: 10).
يُسبّحون الله لعظمته
إنّ النّاس يُفتَنُون بالعظمة ويمتدحونها. الرّبّ أرفع مجدًا من كلّ بني البشر. لا يُساويه إنسان ولا ملاك ولا إله. لذا نحن مدعوّون لنُسبّح “اسْمَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ قَدْ تَعَالَى اسْمُهُ وَحْدَهُ. مَجْدُهُ فَوْقَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ” (مز 148: 13). المتأمّل بعظمة الرّبّ لا يقدر إلاّ وأن يمدحها. “هُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَيَتَرَنَّمُونَ. لأَجْلِ عَظَمَةِ الرَّبِّ يُصَوِّتُونَ مِنَ الْبَحْرِ” (أش 24: 14). المجد الذي يسكن فيه الرّبّ هو مجد إلهيّ، لم يكن مثله لأحد ولن يكون. فلا أحد يُساويه في مجده. والعارف لمجد الرّبّ يُرّنم له خاصّةً وأنّه يعرف أنّه يسير نحو هذا المجد الأبدي، “وَيُرَنِّمُونَ فِي طُرُقِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ عَظِيمٌ” (مز 138: 5).
يُسبّحون الله لحكمته
إلهنا حكيم للغاية. لفهمه ومعرفته ليس استقصاء. ومن يعرف كم حكمته سامية ومُفيدة لا يقدر إلاّ وأن يُسبّحه عليها. هذا ما عناه دانيال إذ قال: “لِيَكُنِ اسْمُ اللهِ مُبَارَكًا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ وَالْجَبَرُوتَ.” (دا 2: 20). وإذ نعرف أنّ الله لا يخفي حكمته عن عبيده الأنبياء والمؤمنين به، إذ يُريدهم أن يكونوا حكماء مثله، لا نستطيع إلّا وأنْ نُسبّح الله. إنّ المؤمن الذي يطلب من الله حكمة وينالها بسخاء ويعرف قيمتها في هذا العالم الضائع، لا بُدّ أن يشكره ويُسبّحه. يُتابع دانيال النبيّ القول: “وَأُسَبِّحُ الَّذِي أَعْطَانِي الْحِكْمَةَ” (دا 2: 23). يصير المؤمن فهيمًا بطرق الرّبّ فيُباركه لأنّه علّمه. يقول داود: “أُبَارِكُ الرَّبَّ الَّذِي نَصَحَنِي” (مز 16: 7). وهكذا تصير المعرفة الإلهيّة دافعًا مباشرًا للمؤمن ليتقرّب من إلهه ويتعبّد له.
يُسبّحون الله لأجل بركاته
هناك في غالبيّة الجامعات ومعاهد الموسيقى والكاتدرائيّات الكبرى في العالم جوقات تُرنّم الترانيم الفخمة التي كتبها كبار الموسيقيّين في التاريخ. وقد يجوز أنّ هؤلاء المرنّمين يندفعون للترنيم لحبّهم للموسيقى والإنشاد أو ليجتازوا امتحانات الدراسة الموسيقيّة، أو لربما لسبب المكافآت المالية التي ستُقدّم لهم. أمّا الذي يُحرّك المؤمنين للتسبيح فهو كون الرّبّ يسمع صلواتهم ويُباركهم. رنّم داود: “أَحْمَدُكَ لأَنَّكَ اسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلاَصًا” (مز 118: 21). المؤمن يُقدّر البركات النازلة من فوق، أكانت روحيّة أو ماديّة، فيُسبّح الرّبّ. “بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ.” (مز 103: 2). نُبارك الرّبّ من أجل البركات الرّوحية: “مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ” (أف 1: 3). ونُبارك الرّبّ لأجل البركات الماديّة: ” اِحْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ… الَّذِي يُعْطِي خُبْزًا لِكُلِّ بَشَرٍ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ” (مز 136: 1، 25).
الخلاصة: سبّح الله وادعُ غيرك لينضمَّ إليك
يقول الرّبّ: “ذَابحُ الْحَمْدِ يُمَجِّدُنِي، وَالْمُقَوِّمُ طَرِيقَهُ أُرِيهِ خَلاَصَ اللهِ” (مز 50: 23). نعم فالله يستحقّ التسبيح. هذا ما قاله المُرنّم: “لَكَ يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ يَا اَللهُ” (مز 65: 1). والله يتمجّد بالتّسبيح: “يَا خَائِفِي الرَّبِّ سَبِّحُوهُ! مَجِّدُوهُ يَا مَعْشَرَ ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ” (مز 22: 23).
التّسبيح هو عنصرٌ أساسيٌّ ودائمٌ في العبادة المسيحيّة الفرديّة والجماعيّة. نحن نمارسها في الكنيسة. لكن علينا أن نُمارسها في صلاتنا الفرديّة المخدعيّة والعائليّة. الإنسان الروحيّ لا يقدر إلاّ وأن يُسبّح الرّبّ. لكن هناك دعوة أخرى في كلمة الله، ليس فقط لنُسبّح الرّبّ، بل لندعوَ الآخرين لينضمّوا إلينا: “عَظِّمُوا الرَّبَّ مَعِي، وَلْنُعَلِّ اسْمَهُ مَعًا” (مز 34: 3). أمّا من يبقى صامتًا، لأيّ سبب كان، لا يقدر أن يدعو غيره للتّسبيح. هلّموا نُسبّح ونُرنّم لإلهنا، لأنّ التسبيح لإلهنا حسن جدًّا.