يشوب العالم حذر ممتزج بالخوف والترقّب. منذ الحربين العالميّتين والأزمات تتلاحق وتتعقّد. تاريخ الشّعوب يزخر بالمآسي والوحشيّة والظّلم والاضطهاد. لكن ما يجري اليوم هو أكثر من تاريخ يتكرّر، ويستحقّ التأمّل والاعتبار. تنبّأ يسوع عن نهاية الزّمن بالقول: “على الأرض كرب أمم بحيرة. البحر والأمواج تضجّ، والنّاس يُغشى عليهم من خوفٍ وانتظار ما يأتي على المسكونة لأنّ قوّات السّماوات تتزعزع. وحينئذٍ يبصرون ابن الإنسان آتياً في سحابةٍ بقوّة ومجد كثير” (لوقا 21: 25-27).
سيأتي المسيح ثانيةً بكلّ تأكيد. يسخر البعض من هذه الحقيقة بسبب “شهوات أنفسهم” غير مدركين أنّ الربّ يتأنّى في مجيئه علّهم يتوبون قبل يوم الدّينونة الرهيب. لا أحد ينكر أنّ علامات ومواصفات الأيّام الأخيرة التي نبّه إليها الكتاب المقدّس بدأت بالظّهور، وتزداد حدّة مع مرور الوقت. عدد سكّان الأرض يتصاعد، تغطية الأخبار العالميّة فيها الكثير من الإثارة، المعرفة تزداد، وشرور المجتمع البشري المستفحلة صارت مقبولة وشائعة ومتاحة وجريئة. أصبح العالم بغالبيّته متمرّدًا وحائرًا وشرّيرًا.
ماذا يجب أن يفعل المؤمن التقيّ في الأزمنة الأخيرة الرديّة؟ هلى من خارطة طريق ترشده وسط هيجان الشرّ وتفوّق الذّعر؟
الإبتعاد عن الأشرار والشرور
المؤمن الأمين يبتعد عن طريق الأشرار، ويتحاشى الوقوف في مجالس المستهزئين المتديّنين في الظّاهر والعصاة في الواقع. وصيّة الكتاب المقدّس له، “أعرض عن هؤلاء” لأن النّاس في مرحلة النّهاية سيكونون “محبّين لأنفسهم، محبّين للمال … محبّين للّذّات دون محبّة للّه، لهم صورة التّقوى ولكنّهم منكرون قوّتها” (2 تيموثاوس 3: 1-5). “المحبّة” جوهر المسيحيّة الحقيقيّة ستصبح أساس الدّيانة المزيّفة. تكمن المشكلة في قلب الإنسان الّذي أسلم نفسه لعمل مشيئته الذّاتيّة بدل تتميم إرادة الله. ثمّة أساسيّات ثلاثة في الكون: الله والنّاس والأشياء. خلقنا الله لنعبده ولنحبّ النّاس ولنستخدم الأشياء. تبدّلت المعادلة اليوم إذ انتشرت عبادة الذّات فأنكر المرء الله وأحبّ سائر الأشياء واستخدم الإنسان. إنّها الحياة البائسة البعيدة عن الله الّتي تقود إلى التّعالي والكبرياء والتّجديف. هي المعادلة ذاتها الّتي قدّمها إبليس لآدم وحواء في جنّة عدن. فصدّقا الكذب وخالفا الوصيّة الإلهيّة. أمّا النّتيجة الحتميّة للعصيان فهي التّجديف، وعدم طاعة الوالدين، والنّجاسة، والقسوة، وانعدام الرّضى والشكر.
في آخر الأيّام يهاجم الشّيطان المؤسّسة العائليّة فتتفكّك الأُسَر وتنحلّ الأخلاق وتفسد الأمم. فتتحوّل المحبّة الطبيعيّة الّتي يضعها الله في قلوب الأزواج والعائلات إلى شهوات ونزوات غير طبيعيّة يدينها الله. من ثمّ تنعدم الثّقة في المجتمع وفي عالم الأعمال. لا يعود النّاس يحترمون العهود ولا الشّرائع ولا الحقّ المنطوق به. فيصبحون شرسين متوحّشين ويتمسّكون بالباطل، ويشوّهون سمعة بعضهم البعض، وكلّ واحد يعمل ما يحسن في عينيه. مجتمعنا اليوم هو صناعة لذّة ذاتيّة ترفيهيّة سطحيّة وهروبيّة. فسدت فيه مقاييس الصواب والخطأ، وما عاد الناس يختبرون الغنى الرّوحي والفرح السّماوي والتّلذّذ الحقيقي بما أبدعه الله فيهم وفي الكون. والأخطر من كلّ ذلك هو أن الدّين يتحوّل إلى تديّن، أي إلى مظاهر تقويّة وإيمانيّة لا جوهر فيها ولا عمق كتابيّ لها. فلا يشعر النّاس بالذّنب الّذي يقود إلى التّوبة والرّجوع إلى الله وإلى كلمته المقدّسة. يبحثون عن الحقّ في أماكن مغلوطة. يبنون حياتهم على الرّمل وليس على الصّخر. يعمل الشيطان منذ البدء على خداع البشر بتقديم بدائل تُشبه الحق الألهي. يستطيع سحرة مصر تقليد معجزات الله على يد موسى؛ ويحوّل الشّيطان نفسه إلى شبه ملاك نور. على المؤمن إن يكون يقظًا ساهرًا على حياته الرّوحية منتظرًا مجيء الربّ بتجنّب الشرّ والأشرار.
إتّباع البرّ ومعاشرة الأبرار
المعاشرات الرديّة تفسد الأخلاق الجيّدة؛ والعكس صحيح! ليست العلاقة مع الله سلوكًا سلبيًّا رادعًا بقدر ما هي رغبة إيجابيّة في اتّباع الخير وعمل الصّلاح. أشار بولس الى تيموثاوس، في معرض حديثه عن مواصفات الأشرار ووجوب تجنّب ممارساتهم، إلى مثالٍ لطريق البرّ، “وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي، وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي، وَاضْطِهَادَاتِي، وَآلاَمِي.”
حياة الأبرار مكشوفة أمام الجميع؛ يتشبّهون بيسوع الّذي عاش في النّور، وعلّم في وضح النّهار، ولم يقل شيئًا في الخفاء. يتبع المؤمن من يعلّم العقيدة الكتابيّة السّليمة ويعلن كامل إنجيل المسيح. من الضّروري أن يعي الشّبيبة خاصّة إلى التّعاليم شبه المسيحيّة pseudo-Christian المتوفّرة في وسائل الإعلام والمنابر الّتي تمزج الفلسفة والنّجاح الذّاتي والأمزجة البشريّة مع الكتاب المقدس.
المعلّم الصّالح يعيش أيضًا وفق ما يعلّم به. لم يعظ بولس عن الانضباط وعاش متحرّرًا؛ لم يُطالب بالتّضحية وعاش متنعّمًا؛ أعطى أكثر ممّا أخذ من الآخرين؛ وقف إلى جانب الحقّ وخسر بعض أصدقائه ثمّ خسر حياته. فضّل أن يكون خادمًا مغمورًا على أن يكون نافذًا مشهورًا. لكنّه مجّد الله وأنجز الكثير لملكوت المسيح، وتالّم لأجل المسيح بسبب تقواه. سجلّه العدلي محكوم بالسّجن، ووضعه الصّحي متأزّم، وأثار المشاكل في كلّ مكان زاره، وكان فقيرًا. أمّا الله فاستخدمه وباركه ولا نزال نستفيد من نِعَم الرّب عليه، لأنه كان أمينًا.
على المؤمن أن يحافظ على طهارته الفكرية والمسلكية بأن يعاشر الأبرار والقدّيسين.
الالتصاق بكلمة الرّب
يتمسّك المؤمن بالحقّ الإلهي كلّما كمل الزّمان واقترب رجوع المسيح. العبارة “هكذا يقول الرّب” هي الطّريقة الوحيدة لفضح خداع الشّيطان، والانتصار على الخطيّة، وتمييز الباطل. تعلّم تيموثاوس كلمة الرّب في صغره، ويجب ألاّ يحيد عنها في كبره. يحتاج البالغون إلى توجيه الكلمة أكثر من الأولاد فتجاربهم أقسى وحروبهم الروحيّة أشدّ وقراراتهم مصيريّة وحاسمة. يختلف الكتاب المقدّس عن غيره لأنه “مقدّس” أي مخصّص لمعرفة أمور الله القدّوس وأفكاره وخطّته لخلاص الخطاة بالنّعمة في المسيح. ولأنّه موحى به من الله” هو نافع لكلّ شيء، وموثوق به في كل ما يقوله عن ذاته وعن الإنسان وعن الله وعن الحياة وعن الموت وعن التاريخ وعن العلم وعن المستقبل وعن مختلف الظروف. من يدرس الكلمة ويطبقّها ينمو في القداسة، ويتجنّب كل مطبّات الحياة. هو غذاء المؤمن وبه ينمو في النعمة وفي معرفة المسيح وعبادته وخدمته. الكتاب المقدس يجهّزه ليرضي الله. وكلّما عرف الكمة اكثر كلّما عاش للرّب وخدمه بشكل افضل.
الثبات في تعاليم الرب
لن تتحسّن الأوضاع العالميّة، ولن يأتي وقت أفضل، ولكن المسيحيين يجب ان يصيروا أناسًا أفضل كلّما اقتربت النّهاية. يجب عليهم الإنفصال عن الشرّ، والإبتعاد عن الأشرار، ونمييز المعلّمين الكذبة، وتكريس ذواتهم لعمل الصّواب والثّبات في تعاليم الكلمة المقّدسة فيقرأونها ويدرسونها ويعيشون بموجب تعليماتها.