بُذل الكثير من المحاولات لاحتساب التّاريخ الفعليّ لخلق العالم. والمحاولة الأكثر شهرة هي، من دون شكّ، تلك الّتي قام بها الأسقف “جايمس آشِر” في القرن السّابع عشر.
ولد “آشِر” في دبلن في إيرلندا سنة 1581، وتوفى في إنكلترا سنة 1656. عاش في حقبة من الاضطرابات الدّينيّة والسّياسيّة المروّعة في وطنه إيرلندا وكذلك في إنكلترا. كان “آشر” عالِمًا متفوّقًا ومعروفًا لدى رجال الدّولة والمفكّرين الأوائل في إنكلترا. بلغ مجموع مؤلّفاته سبعة عشر مجلّدًا، أشهرها “سجلّات العهدين القديم والجديد التّاريخيّة”، الّذي نُشر في خمسينات القرن السّابع عشر. والكتاب كناية عن جدول كرونولوجي مفصَّل يُبيّن التّسلسل الزّمني والتّاريخيّ الدّقيق للأحداث الكتابيّة. وقال، في هذا الكتاب، أنّ الله خلق العالم في صباح 23 تشرين الأوّل، 4004 ق.م.
توصّل إلى هذا التّاريخ عن طريق جمع أعمار آدم وذرّيته المدوّنة في سفر التّكوين الأصحاحين 5 و 11. فافترض عدم حذف أي اسم من سلالات العهد القديم وأنّ كل الحقبات الزّمنيّة في النّصوص متعاقبة. ويشكّ العلماء اليوم في كِلا الافتراضين. ووُجدت أسباب قويّة تدعو إلى التشكيك في استنتاجاته بالرغم من أنّه انكبّ على دراسةٍ معمّقةٍ للموضوع. فالعالم، وِفقًا للحسابات اليهوديّة، خُلِق في سنة 3761 ق.م.، وخُلق وِفقًا للحسابات البيزنطيّة في سنة 5509 ق.م.
ومع ذلك، يُعتبر تقويم “آشر” الزّمنيّ بأنه الأقدم والأكثر شهرةً بين كل التقويمات الّتي وُضِعت في اللّغة الإنكليزيّة. ويوجد من أدخله في هامش الكثير من الترجمات الانكليزية للكتاب المقدّس.
يصعب جدّاً تحديد التّقويم الزّمنيّ والتّواريخ الدّقيقة للعصور الكتابيّة القديمة، إذ كثيراً ما تُقدّم تواريخُ أحداثٍ على أحداثٍ أخرى غير معروف تاريخها. وعلى التّواريخ أن تُربَط بحدثٍ ثابت للتوافق مع تقويمنا الحديث، فتُقَدَّر السّنون بحسب العصور أو الحقبات الّتي تبدأ في مرحلةٍ ثابتةٍ من التّاريخ. وتُحتسب، انطلاقاً من هذه المرحلة، السّنون الّتي تسبقها أو تليها. ومثالٌ على ذلك، أحصى الرّومان القُدامى عدد سنينهم بدءاً من تأسيس مدينة روما.
بعد خمسمئة سنة على ولادة المسيح، اقترح راهبٌ في روما اسمه “دنيس لو بوتي” Denys le Petit بأن تشكّل ولادة المسيح المحطّة الثّابتة أو المرجع للحقبة المسيحيّة. وأدرك، استنادًا إلى بحثه الدّقيق، أنّ المسيح وُلِد في السّنة الرّومانيّة 753. ولم تكد تمرّ ثلاثة أو أربعة قرون حتّى عمّ استخدام اقتراحه الغرب في شكل عام. وبات التقويم المسيحي يُستخدم في يومنا الحاضر في كلّ أنحاء العالم، على الرّغم من أنّ غير المسيحيّين يُفضّلون تسميته بــــــــ “التقويم العام”.
من المثير للاهتمام أنّ بعض المؤرّخين ممن درسوا الأحداث الّتي حصلت قرب ولادة المسيح وربطوها بالتّاريخ الأكثر إحتمالًا لوفاة الملك هيرودس، استنتجوا بأنّ المسيح وُلِدَ ما بين 6 ق.م. كحدٍّ أدنى و 2 ق.م. كحدٍّ أقصى. ألا يبدو غريبًا أنّ يسوع ولد قبل تاريخ الميلاد المعروف؟ وليس هذا كلّه إلا لإظهار بأنّ تثبيت التّواريخ الكتابيّة غالبًا ما يكون غير دقيق. أمّا المؤكّد في الموضوع فهو أن الله خلق “في البدء” العالم والأرض والانسان والتاريخ، وأن تاريخ خلق الانسان، رغم أنّه غير معروف، ليس بقديم جدّا ليصل إلى ملايين السنين كما يحلو للبعض أن يقول وبدون براهين.