
القانون قاعدة اجتماعية ملزمة للفرد والمجتمع. هدفه رعاية حقوق وكرامة الإنسان من كلّ الفئات ليتمكّن من تحقيق ذاته وبلوغ أهدافه. ولا يكفي أن يكون ثمّة قانون يحدّد الحقوق والإلتزامات، بل لا بدّ من قيام سلطة تفرض تطبيقه واحترامه، تحقيقًا للخير العام ومنعًا لأيّ اعتداء على الحقوق أو ميل للتعسّف والاستئثار.
ومن الأمثلة الّتي حملت السلطة الحاكمة على التدخّل لإيجاد تكافؤ وتعادل بين المتعاقدين من عمّال وأصحاب عمل، وتشريع خاص ينظّم العلاقة المتكوّنة بين الفريقين، هو صدور “قانون العمل”.
القانون والخدم
استثنى قانون العمل اللبناني من الخضوع لاحكامه فئة العمّال في الخدمة المنزليّة ومن في حكمهم، كالطاهي والمربّية. ذلك لأنّهم يعملون داخل أسرة ويقومون بمجموعة متنوّعة من الخدمات المنزليّة. الأمر الّذي حرمهم من الحماية القانونيّة، وعرّضهم لانتهاكات جسيمة وتجاهل أبسط حقوقهم، كالحقّ بفترات راحة مدفوعة الأجر، والحقّ في الأجر وعدم حبسه في يد صاحب المنزل أو تأخيره، وحقّ الاحتفاظ بالهويّة وبوثائق السفر، وغيره. لقد حثّ الكتاب المقدّس على عدم تأخير أجره، “في يومه تعطيه أجرته، ولا تغرب عليها الشمس” (تث 24:15).
ولأنّ للعامل شخصيّته الإنسانيّة وحقوقه وكرامته، يحظّر على الإنسان الإرتباط بعقد مدى الحياة أو التعهّد بالإمتناع عن الإشتغال في مهنة ما. كانت مدة عمل الأجير في الكتاب المقدس ثلاث سنوات (إش 16:14). ويجب على الأجر أن يسدّ حاجاته المعيشيّة بما يكفيه وعائلته.
كذلك فالإعتبارات الصحّية والعائليّة والإنسانية أوجبت الرّاحة الأسبوعيّة المستمدّة أصولها من الكتاب المقدس في أن يكرّس يوم راحة ينصرف فيه الإنسان إلى العبادة والإلتزامات الدينيّة، وبالمقابل على العامل واجب تأدية العمل بنشاط واجتهاد وأمانة وعناية وإخلاص وإلا تعرّض للمساءلة.
قيمة العملوللعمل في المسيحيّة قيمة كبيرة. يتعظم بالمثل الّذي يعطيه يسوع العامل (مر 6: 3)، وإبن العامل (مت 13: 55)، وكذلك بمثل بولس الّذي يعمل بيديه (أع 18: 3).
ولأنّ قانون العمل اللّبناني استثنى طرفي العقد: ربّ العمل والعاملات في الخدمة المنزليّة من الخضوع لأحكامه، لذلك فإنّ الإنتهاكات بحقّ هذه الفئة من العمالة الأجنبيّة تدور في مكان مغلق. سجّل معدّل انتحار عاملة أجنبيّة كلّ أسبوع من دون تبيان الأسباب الحقيقيّة لأنّهم حالة خاصّة وتحت رحمة أرباب العمل.
وإلى حين تعديل قانون العمل اللّبناني، ووضع عاملات المنازل تحت حماية القانون ليتوائم مع القوانين والإتّفاقات الدوليّة (اتفاقيّة منظّمة العمل الدوليّة رقم 189 بشأن العمل اللّائق للعمّال المنزليّين الصادرة بتاريخ 16 حزيران 2011 والتوصية المرافقة لها) ومساواتهم بالعمّال الآخرين، يبقى لضمير أرباب العمل وحسّهم الانساني الدّور الأهمّ في إرساء نمط تعامل يحترم إنسانيّة عاملات اضطررن إلى مغادرة بلادهنّ والعمل في بيئات مختلفة عن بيئاتهنّ الإجتماعيّة والثقافيّة.