"مين قال؟"

كثيرًا ما نكرّر في أحاديثنا أقوالاً شعبيّة طالما ردّدها آباؤنا وأجدادنا من قبل، بعضها جيّد وبعضها الآخر يحمل في طيّاته الكثير من اللّغط لاسيّما الأقوال المتعلّقة بالإيمان والحياة الرّوحيّة.

حين نتكلّم عن الحياة ما بعد الموت وعن الوجود الحتميّ للسّماء وللجحيم، نسمع على الفور القول التّالي: "مين راح ورجع وخبّر". وفي هذا قول ينفي حتميّة الحياة ما بعد الموت. إلاّ أنّ واقع الأمر معاكسٌ تمامًا إذ يوجد كثيرون ممن "راحوا ورجعوا وخبّروا". فماذا عن العازار الذي مات وأقامه المسيح؟ وماذا عن أولئك القديسين الذين قاموا من القبور عند موت المسيح على الصّليب وظهروا لكثيرين. وماذا عن باكورة الرّاقدين، الرّبّ يسوع المسيح، الّذي قام منتصرًا على الموت وظهر لتلاميذه مرّات عدّة مبرهنًا لهم على حقيقة قيامته بالجسد؟

كما أنّ هذا القول يترافق أحيانًا، ويا للأسف، مع آخر يشبهه: "هون الجنّة وهون النّار"، بمعنى أن لا حساب بعد الموت. أوضح الرّبّ يسوع في تعاليمه حقيقة وجود جهنّم كمكان للدّينونة وقال في نهاية حديثه عن الخراف والجداء: "فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبديّ والأبرار إلى حياة أبديّة." نعم، إنّ غضب الله معلن من السّماء على كل فجور النّاس وإثمهم. وأكّد المسيح في إنجيل يوحنّا بأنّ من ليس له الإبن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله. كما أنّه من البديهيّ جدًّا أنّ هذه الأرض الملعونة والملطّخة بالشّر والخطيّة ليست الجنّة على الاطلاق.

كم مرّة حاولنا إنهاء أيّ نقاش أو جدال روحيّ بعبارة "كل مين عَ دينو الله بعينو". وهذه عبارة تريح معظم النّاس إذ يصنع كلّ واحد دينًا خاصًّا به على طريقته يتناسب مع منظاره الشخصيّ ومفهومه المحدود، ويبيح لنفسه ما أراده واشتهاه ويستتر بعباءة الدين ليحرّم  على غيره ما لا يناسبه. ومن الأجدر، ربّما، أن نقول لهؤلاء "كل من عدينو الله بِدينو". فالدين النقي الصالح ينزل من عند الله، ومن الأفضل للبشر الالتزام به بدلاً من إيجاد التبريرات لأنفسهم بما يضفونه من أفكار شخصيّة على الدين.

ماذا أيضًا عن القول الشائع: "آمن بالحجر تبرأ". من أين أتى هذا القول؟ وهل هو حقّ؟ الرّبّ يسوع نفسه قال: "من يؤمن بي له حياة أبديّة". لن يُبرئنا الحجر من أيّ داء بما فيه داء الخطيّة وتبكيت الضّمير. فالله هو موضوع الإيمان المفيد. ولا فائدة تُرجى من الإيمان بالحجر والشجر والبشر. خاطب بولس الفلاسفة في أثينا وقال لهم أنه يُنادي لهم بالإله الحيّ الذي يجهلونه، ومن دونه لا ينفعهم في شيء تديّنهم لآلهتهم الأسطورية.

غير أن أكثر الأقوال الّتي تضحكني وتبكّيني في آن هو: "حطّ راسك بين الرّوس وقول يا قطّاع الرّوس." فمن المخزي أن يعلم الإنسان أنّ مصيره الهلاك، ولا يأخذ أي موقف تغييري بل يمضي بدلاً من ذلك مستسلمًا لذاك السّيف الّذي لا يميّز بين صغير أو كبير، فقير أو غنيّ. إنّ دينونة المسيح فرديّة، فلما لا نفكّر بمصيرنا الأبديّ الذي نملك إمكانيّة تغييره بأيدينا، ونهرب من الغضب الآتي ونرتمي في أحضان من فدانا ليعطينا الحياة الأبدية.

الكلمات الدلالية