ما هو هدف السّياسة؟ يُناقش علم الاجتماع السّياسيّ هذا السّؤال ويرى البعض أنَّ المجتمعَ الإنسانيَّ هو الهدف. وقد يكون هدف العمل السّياسيّ لدى رجل السّياسة شخصيًّا جدًّا، مما يُفسّر دخول أشخاص مصلحيّين إلى العمل العام. أمّا بالنّسبة إليّ فهدف العمل السياسيّ هو الإنسان. الإنسان يعلو على المجتمع السياسيّ من وجهة نظر إيمانيّة وأنثروبولوجيّة صافية. وحدها فلسفات كالفاشيّة تُعلّي المجتمع السياسيّ على قيمة الإنسان المطلقة. السّياسة تهدف إلى خير الإنسان وكرامته. وهذا المفهوم يجعل من يدخل العمل العام يضع نُصب عينيه خدمة الإنسان فيكون رسولًا ويتصرّف برسوليّة وإنسانيّة مُطلقتين.
ما هو هدف الإعلام السّياسيّ؟ إنّه أيضًا الإنسان. من يتبنّى هذا المنطق يحرص على أن تكون حرفة الكلام لديه هادفةً لكرامة الإنسان الّذي تتناوله وتعمل لخيره. ويحترم الإعلام السّياسيّ كرامة المتلقّي والّذي تتناوله في آن. وهكذا يسمو الإعلام السياسيّ ما دام يرفع من شأن الإنسان ويصون كرامته ويهدف إلى تحسين أحواله، ويهبط مستواه كلّما ضلّ الاتّجاه بعيدًا عن تكريم الإنسان وخدمته. وهكذا نخلص إلى أنّ الإعلام السّياسيّ هو إعلام إنسانيّ وأخلاقيّ وعمليّ في آنٍ واحد، ويهدف إلى خلق الوعي السّياسيّ الّذي يصير العقل المُحرّك للبيئة السّياسيّة. المؤسف أنّ الإعلام السياسيّ صار، ومن أيّام القِدَم، أداةً للتّضليل والتّشويش وسلاحًا للقتل والهدم.
ما هو هدف الفكر والفلسفة واللاهوت والتّربية والفنون والعلوم والطبّ والاقتصاد والأعمال؟ هنا مُجدّدًا نقول: الإنسان. هذه النّظرة لمحوريّة الإنسان وغائيّته في الحياة الإنسانيّة لا تحتاج إلى الكثير من التّفسير والتّبرير، بل تحتاج إلى صونها وحمايتها لتبقى في المقام الأوّل. ما لم يبقَ الإنسان في نقطة الارتكاز والمحور في المجتمع السياسيّ والإنسانيّ يتحوّل هذا المجتمع ليسحق الإنسان بوحشيّة أو ليستعبده أو ليستخدمه لمصلحة الحاكم أو المُتسلّط أو المجتمع. “الإنسان أولًا” تتفوّق على “المجتمع أولًا”. فعندما يُرفّع الفكر السياسيّ فكرة الإنسان على فكرة المجتمع يضمن أن يكون المجتمع في خدمة الإنسان وليس العكس. وهكذا يصير المجتمع أكثر إنسانيّة واحترامًا للإنسان ولكرامته.
يحتاج العاملون في السّياسة والإعلام في بلادنا إلى تبنّي فكرة الإنسان أولًا والتزامها خصوصًا في مجتمع معاصر صار الإنسان فيه هدفًا تجاريًّا لا غير. ويزداد الوضع سوءًا بعد انفلاش التّهشيم والاغتياب والاغتيال الإعلاميّ والسّياسيّ وشرعنته تحت مسمّيات الحريّة والحقوق والثوريّة والتّغيير وغيره من عناوين الفاشيّة والشعبويّة المنبعثة من جديد في أيّامنا. إنَّ تقدّم الدّول والشّعوب يُقاس باهتمامها بأحوال الإنسان فيها. أوضاع الإنسان ليست بألف خير. الهمّ الأساسيّ لأيّ عمل إنسانيّ هو خير الإنسان.