إنّ “وسائط النّعمة” هي الطّرق الّتي تأتي بها النّعمة على حياة الإنسان (أفسس 2: 7-8؛ تيطس 2: 11-12). وأوّل الوسائط الّتي تقود إلى اختبار نعمة الخلاص هي: “الأسفار المقدّسة”، الّتي منها نستقي كلّ معرفتنا بالإيمان المسيحيّ، وبخاصّة معرفة المخلّص يسوع المسيح (2 تيموثاوس 3: 15؛ يوحنّا 20: 31). ويأتي الوعظ من الكلمة المقدّسة، كأحد أهمّ الوسائط الّتي تأتي بها النّعمة المُخلِّصة لحياة النّاس، إذ يُظهر لهم حياة المسيح ورسله وتعاليمهم، وذلك ليُحوّلهم إلى الإيمان بالمسيح (لوقا 24: 47؛ أعمال 1: 8؛ رومية 1: 16؛ 10: 11-15؛ 1 كورنثوس 1: 17-18، 23).
إنّ ما سبق ورأيناه هو وسائط النّعمة المُخلِّصة، وهناك وسائط أخرى لاستمرار تدفّق النّعمة الإلهيّة المُقوّية لحياة الّذين سبق واختبروا النّعمة المُخلِّصة. وهنا تأتي خدمة تفسير الأسفار المقدّسة لتعليم المؤمنين وبنيانهم، وتُساندها خدمتان هما: قراءة الكلمة ودراستها الشّخصيّة. تُرافق هذه الوسائط الصّلاة، الّتي فيها يتّصل المؤمن بالله، فيختبر حضرته، فاتحًا أبواب قلبه لقصد الرّبّ وقوّته. أمّا الشّركة مع المؤمنين، ومشاركتهم الصّلاة والشّهادة وفريضة كسر الخبز، الّتي أسّسها المسيح وأمر أتباعه بأن يحفظوها، فهي وسائط فعليّة للنّعمة.
من المهمّ جدًّا أن ينتبه المؤمن إلى ضرورة تعامله مع وسائط النّعمة بشكل صحيح. وليتمكّن من قبول النّعمة عبرها، عليه أن يقبلها بإيمان وشكر؛ ومن دون هذه تتحوّل وسائط النّعمة إلى وسائط دينونة لحياة المؤمن، حالها كحال موضوع التّجاوب مع مجيء المسيح الّذي جاء ليُخلّص العالم وليس ليَدينه. إلاّ أنّ مَنْ يقبله هو الّذي يَخلص به، ومن يَرفضه، يَدينه المسيح (يوحنّا12: 47-48). فالإنجيل ليس ليُسمَع وحسب، بل ليؤمَن به أيضاً (يوحنا5: 24؛ 1يوحنا 5: 13؛ رومية10: 9-14).
وعلى المنوال ذاته، تكون فريضة كسر الخبز (المعروفة أيضًا بالعشاء الرّبّانيّ، أو مائدة الرّبّ، أو الشّركة المقدّسة، أو الأفخارستيّا) كإحدى وسائط النّعمة الّتي أسّسها المسيح، ويأخذ المؤمن من خلالها نعمة من الله إن أتى إليها بروح الشّكر وبإيمان بالمُخلِّص الّذي مات عن الخطاة على الصّليب. أمّا مَنْ يتقدّم من مائدة الرّبّ من دون استحقاق فيكون مُجرمًا في جسد المسيح ودمه، وعندها تتحوّل واسطة النّعمة هذه إلى واسطة دينونة للمُستَهين بالفريضة المقدّسة (1كورنثوس11: 27-29). بناءً على ما سبق، يُخطئ مَنْ يظنّ أنّ اقتبال فريضة المعموديّة أو حضور الكنيسة من دون إيمان يأتي بالنّعمة بطريقة أوتوماتيكيّة. فالنّعمة لا تأتي لمُجرّد قبول طقس ما. هذا ما حاول الرّسول بولس شرحه عندما قال لخدّام الكلمة إنّ رسالتهم الّتي فيها يُحاولون نشر معرفة المسيح في كلّ مكان قد تكون هي ذاتها “رائحة موت لموت” لغير المؤمنين، و “رائحة حياة لحياة” للّذين يؤمنون (2 كورنثوس 2: 14-16).
إنّ النّعمة الإلهيّة سخيّة للغاية (أفسس1: 7؛ 2: 7)، ويستفيد منها الكثيرون (رومية5: 15-21). المؤمن يُقدّر النّعمة ويحترمها (1كورنثوس 15: 10) ويُواظب على وسائطها بإيمان، رافعًا بسببها الشّكر الكثير لله ولمجده (2كورنثوس 4: 15).
قاموس اللاّهوت الإنجيليّ