لو كانت كلُّ الحياة خيرًا لما كان أحد يتمنَّى تركها. الشَّرُّ الكائن في العالم يقول لنا إنَّ عمرنا ينتهي. فعندما نتألَّم نعرف أنَّنا لا ننتمي في شكل أبديٍّ إلى هذه الأرض الفانِية. وكلَّما اشتدَّ الألم تمنَّينا الانعتاق منه. (رو 8: 23). كذلك كلَّما تقدَّمنا في الحياة عرفنا أنَّ وقت خلع مسكننا الأرضيِّ قد اقترب. (2بط 1: 14).
يسمح الله لدورة الحياة بأن تعبر فينا من وقت إلى آخر في أيَّام مُظلِمَة، كأن يُواجِه البيت مشاكل زوجيَّة وعائليَّة وماليَّة حادَّة، أو أن تحلَّ بنا أمراض وكوارث متلاحقة لا مفرَّ منها، أو أن يمرَّ ملاك الموت على عائلة فيحصد منها عددًا من النُّفوس في مدَّة زمنيّة قصيرة. عندذاك يُفكِّر الإنسان بواقعيَّة لم يعرفها طوال أيَّام الرَّخاء والسَّعادة. فيتيقَّن أنَّ عمره لن يطول على الأرض، ويعترف بأنَّه دخل العالم عُريانًا ويخرج منه عُريانًا لا يأخذ بيده شيئًا من كلِّ تعبه في الحياة (أي 1: 21). فوَقفَة تأمُّل في الوجود تقود الإنسان ليعرف أنَّ الشَّرَّ قد خدمه وأنَّه ليس سوى غريب في هذه الأرض، فيبدأ بالتَّفكير في حياته الأبديَّة.
إنَّ معرفتنا لقصر أيَّامنا على الأرض النَّاجم من اختبارنا للشَّرِّ، تقودنا أيضًا لنعرف أنَّ الشَّرَّ هو أيضًا وقتيٌّ، فلا يعود يُزعجنا أمره، كأنَّه يجثم على رؤوسنا إلى الأبد. فنتسلَّح بالإيمان والرَّجاء مُحتَمِلين الشَّرَّ إلى أن يعبر من دون تذمُّر من الله. وهكذا نفهم ما قاله أيُّوب لزوجته المتذمِّرة، الَّتي طالَبَته بأن يَلعَنَ الرَّبَّ ليُميته ويُريحه من آلامه: “أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لَا نَقْبَلُ؟” (أي 2: 10).
وإذ نُدرك أنَّ عمرنا لا بُدَّ من أن ينتهي وأنَّ الشَّرَّ بدوره محدود، نتشجَّع، ونحن نعبر في دنيا الشُّرور، على أن نُصلِّي صلاة يعبيص الَّذي طلب من الرَّبِّ: “لَيْتَكَ تُبَارِكُنِي، وَتُوَسِّعُ تُخُومِي، وَتَكُونُ يَدُكَ مَعِي، وَتَحْفَظُنِي مِنَ الشَّرِّ حَتَّى لَا يُتْعِبُنِي. فَأَتَاهُ اللهُ بِمَا سَأَلَ” (1أخ 4: 10). من الضَّروريِّ أن يتذكَّر المؤمن أنَّه غير مدعوٍّ إلى أن يحيا حياة الآلام المُستَمرَّة، فالمسيح يسوع جاء ليكون له حياة، وحياة أفضل.