ولد القدّيس أمبروز في ترير Trier، جنوب بلاد الغال (ألمانيا الحديثة) وكان أوّل آباء الكنيسة الّذي يولد في عائلة مسيحيّة رومانيّة ثريّة وقويّة. كان والده محافظًا لبلاد الغال. كان شقيق القدّيسة مارسيلينا والقدّيس ساتيروس.
من أفضل ما يُذكر عنه، معركته النّاجحة ضدّ الآريوسيّة، ومساهماته في موسيقى الكنيسة، وموقفه من الفصل بين الكنيسة والدّولة، وإرشاده لأحد آباء الكنيسة أوغسطين من هيبو.
بعد فترةٍ طويلةٍ من وفاته، تمّ تسمية أمبروز “معلّم الكنيسة” في الكنيسة الكاثوليكيّة جنبًا إلى جنب مع آخرين مثل أوغسطين من هيبو والبابا غريغوري وجيروم.
أصبح حاكمًا لمقاطعات شمال إيطاليا وتمّ استدعاؤه لتسوية نزاع بين الفصائل الدينيّة المتنافسة: الكاثوليك الأرثوذكس، والآريوسيّين. أيّد أمبروز قانون الإيمان النّيقاويّ وتحدّث ضدّ اللاهوت الآريوسيّ. ومع ذلك، فقد كان يحظى باحترام كبير من قِبل طرفي الصّراع لدرجة أنّهم طالبوه بأن يصبح أسقفًا.
وقد تمّ تعميده، ورسامته كاهنًا، وتكريسه أسقفًا في 7 ديسمبر 374. لقد أعطى ثروته على الفور للكنيسة والفقراء من أجل خير الرّعيّة وكمثال لهم.
خبرة أمبروز في السّياسة خَدمته بشكلٍ جيّدٍ في دوره كأسقف. من بين تعاليمه الأكثر تميّزا وجهة نظره حول العلاقة بين الكنيسة والدّولة. وعلى عكس العديد من أقرانه، رأى أمبروز أنّ الكنيسة لا تخضع أخلاقيًّا للحكومة بل الحكومة تخضع لسلطة الكنيسة الأخلاقيّة.
وقد ذهب أمبروز إلى حدّ منع الإمبراطور الحاكم، ثيودوسيوس، من الشّركة في العشاء الرّبانيّ ما لم يتُبْ عن دوره في مذبحة المواطنين المدنيّين في تسالونيكي.
وافق أمبروز على أنّ روما هي الرّأس “الرّوحيّ” للكنيسة الجامعة، إلّا أنّه لم يؤيّد فكرة أن تكون هي السّلطة القانونيّة أو الحكوميّة على جميع المسيحيّين.
قدّم أمبروز العديد من المساهمات الطّويلة الأمد للمسيحيّة الغربية. ومن بين كتاباته أوّل كتاب معروف عن الأخلاق المسيحيّة وكان حول “واجبات خدّام الكنيسة”. وترك أعمالًا كثيرة مناهضة للآريوسيّة ومنها عن الإيمان وعن الرّوح القدس. وترك كتبًا تفسيريّة عن أيام الخَلق الستة “هكساميرون”، وتعليقات على “قايين وهابيل”، و”فلك نوح”، و”إبراهيم”. ومن كتاباته النّسكيّة والسّلوكيّة كتابه عن شرف البَتولية، وآخر عن التّرمّل. كما أنّه ترك 91 رسالة تعالج مواضيع تاريخيّة وعقيديّة وأخلاقيّة وكتابيّة، وترك رسائل عن الصّداقة. هذه الرّسائل تكشف عن سموّ شخصيّته، وغيرته المتّقدة، وورعه، وثقافته العالية، وسلطانه المملوء حبًّا.
سمح له إتقانه للغة اليونانيّة بتحليل اللاهوتيّين السابقين له بعمقٍ كبير. يُنسَب إلى أمبروز أيضًا تقديم مفهوم الغناء الجماهيريّ، والّذي كان مثيرًا للجدل إلى حدّ ما في ذلك الوقت.
لقد كان أمبروز، بكلّ المقاييس، واعظًا ممتازًا. دخلت إحدى اقتباسات خطبته في اللغة الحديثة كمصطلح: “عندما تكون في روما، افعل ما يفعله الرّومان”. في عظاته، أكّد أمبروز بشكلٍ كبيرٍ على دور الرّوح القدس في حياة كلّ مؤمن، إلى جانب رفض النّاموسيّة وتعليمه الواضح عن الإيمان الشّخصيّ.
ومن المثير للاهتمام، أن نعرف أنّ تعليمه جذب انتباه شابٍّ مسيحيّ يدعى أوغسطينوس للمسيح، والّذي عمّده لاحقًا والّذي تجاوزه كشخصيّةٍ عظيمةٍ في التّاريخ المسيحيّ المبكر.