كانت سيّدة عجوز تعيش في كوخ صغير أنيق إلى جانب شجرة سنديان كبيرة جدًّا. وكانت السيّدة مُعجبة بهذه الشّجرة، تتأمّلها كلّ يوم؛ جذعها الضّخم والعريض، أغصانها الكبيرة والمتفرّعة، وأوراقها الكثيفة والخضراء. كانت شجرة السّنديان هذه تُظلّل كوخ السيّدة العجوز خلال فصل الصّيف الحارّ، وتحميه من الرّياح القويّة خلال فصل الشّتاء القارس. وكانت السيّدة تتمنّى لو أنّ هذه الشّجرة تبقى خضراء وتنمو لتحيا إلى الأبد.
لم تكن السيّدة العجوز تعلم أنّ صراعًا قويًّا كان يدور حول “مَن هو الأقوى: الشّتاء أم الرّيح أم الثّلج أم الشّمس؟”، وأنّ شجرة السّنديان كانت مركز هذا الصّراع.
قال الشّتاء إنّه يستطيع أن يُدمّر شجرة السّنديان عندما يُنزل المطر الغزير والشّديد عليها، فضحكت منه الرّيح والشّمس والثّلج وهزأت بقوّته. ولكن، بعد أن أنزل كلّ ما عنده من مطر، كانت شجرة السّنديان أكثر اخضرارًا وقوّة. ثمّ جاءت الرّيح ونفخت بكلّ قوّتها، وصار نوء وعاصفة عنيفَين وقويَّين ضربا الكوخ، أمّا شجرة السّنديان فتشبّثت بجذعها القويّ وثبتت في الأرض، ولم ينكسر غصن واحد منها.
جاء دور الثّلج، فرمى كلّ ما عنده من ثلوج بيضاء غطّت الشّجرة بكاملها، ولم يعد بالإمكان رؤية الأغصان والأوراق. فقال الثّلج: “أرأيتم، لقد تغلّبت على الشّجرة. ها هي جامدة من دون حراك”. “سوف نكتشف صحّة ما تقول”، قالت الشّمس، وبسطت نور أشعّتها القويّة على الأرض. وفي خلال دقائق ذاب الثّلج عن وجه الأرض، وبانت شجرة السّنديان نضرة وخضراء أكثر من ذي قبل.
مرّت أشهر عدّة، عادت بعدها السيّدة العجوز من رحلة إلى كوخها الصّغير. فجأة، صرخت بصوت مُرعب ومُخيف إذ رأت شجرة السّنديان مطروحة على الأرض. ماذا حصل؟ مَن كان السّبب في سقوطها: الرّيح أم الثّلج أم المطر أم الشّمس؟ حتمًا لم يكن أحدها هو السّبب. فاستدعت على الفور الحطّابين، الّذين سرعان ما كشفوا عن السّبب بعد أن قطعوا جذع الشّجرة. لقد وجدوا أنّ قلب الشّجرة فارغ بعد أن أكله الدّود. كان الجذع من الخارج قويًّا ونضرًا، أمّا من الدّاخل فكان خاويًا وضعيفًا. وعندما تفحصّت السيّدة العجوز شجرة السّنديان عن قرب، وجدت ثقبًا صغيرًا في جانب الجذع حيث حفرت الدّودة طريقها إلى داخله، وهناك تكاثرت إلى ألاف وألاف من الدّود الّذي أخذ يأكل من الشّجرة إلى أن أصبح داخلها فارغًا.
يقول الكتاب المقدّس: “فوقَ كلّ تَحفُّظ احْفَظ قلبَك، لأنَّ منه مَخارِج الحياة” (أمثال 4: 23). علينا أن نحرس نفوسنا من الدّاخل ونحفظها أكثر من الخارج. فإنّ خطيّة صغيرة قد تدخل وتتكاثر لتولّد خطايا كثيرة أخرى، إلى أن تُدمّر الدّاخل كلّه وتُفسد القلب.