سنة 1987 عرضت الصّالات السينمائيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة والعالم فيلم روبوكوب Robocop للمخرج بول فيرهوفين. في تلك الأيام بدأت الروايات العلميّة والإعلام والصّحافة، وتاليًا السّينما، تتناول موضوع التّطوّر التكنولوجيّ الهائل في عالم الحاسوب وصولًا إلى السّايبورغ الرّجل الآليّ. وقد أظهرته السّينما بصورة الشّرطيّ الّذي لا يتراجع في المواجهات قبل إتمام المهمّة، وقد قضى على كلّ الأشرار والمجرمين الواحد بعد الآخر، بعنفٍ شديدٍ ومن دون رحمة.
في فيلم روبوكوب، ينطلق الشّرطيّ الآليّ في مهمّة مؤازرة لعناصر الشّرطة الآدميّين. ونراه يتعامل مع الأشرار بأخلاقٍ عاليةٍ مردّدًا الإرشاد والنُّصح بحسب البرمجة في ذاكرته الحاسوبيّة. وإذ حصد هزء المجرمين واحتقارهم، تمرّد من تلقاء ذاته واتّجه إلى محوّلٍ كهربائيّ تزوّد منه بالطّاقة وانطلق من جديد إلى تصفية الأشرار بعنفٍ غير مسبوق.
هذا كان في ثمانينات القرن الماضي، أمّا في زمننا، فإنّنا نقرأ الخبر تلو الآخر يوميًّا عن التّطوّرات الهائلة في مجال صناعة الرّجال الآليّين وعلوم الذّكاء الاصطناعيّ والعقول الإلكترونيّة الّتي سبقت الإنسان بأضعافٍ وأضعاف.
ومن تلك التّطوّرات ظهور نموذج اختباري للذّكاء الاصطناعيّ مُقبلٌ إلينا من اليابان تحت إسم ساكاناي آي إي SAKANAI AI وقد تمّ تطويره بالاشتراك مع جامعتي أوكسفورد وكولومبيا البريطانيّة. يستطيع هذا الذكاء الاصطناعيّ، أن يقوم ببحثٍ علميّ متكامل، وحتّى بإمكانه، أن يُطوّر فكرةً علميّةً من أجل القيام ببحثٍ حولها. ولا يحتاج هذا النّظام، إلى أن نقترح عليه مسألةً ونطلب منه إقامة الأبحاث عنها. هو يخلق الفكرة وهو يُحلّل تفاصيلها ويقوم بدراسةٍ كافيةٍ وافيةٍ متكاملةٍ عنها من دون أيّ تدخّل بشريّ!
نحن اليوم على عتبة التحوّل إلى عالم الذّكاء الاصطناعيّ المتطوّر جدًّا، الّذي قد يفلت من يد الإنسان ويتمرّد عليه. انتظروا إذًا يا قوم ظهور الطّبيب والمهندس والكهربائيّ والحرفيّ والطّاهي والمحامي والشّاعر والرسّام والميكانيكيّ والطيّار والسّائق والمعماريّ والأستاذ والمضيفة والممرّضة وكلّ مهنة على الأرض تقوم بها الحواسيب وكلّ أنواع الرّوبوتات!
وماذا عن الإنسان وما هو دوره في الأيّام المقبلة؟ من المحال أن نجيب، ولكن من المستحيل أن نتغاضى ولا نفكّر حتّى بالموضوع. ماذا سنفعل لو تحوّل الرّجل الآليّ رئيسًا علينا وصار الحاكم المطلَق، ويُعاونه عسكره الآليّ، فلا ريب حينها أننا لن نكون أسعد حظًّا من جماعة الأشقياء، الّذين قضى عليهم الروبوكوب وقطع دابرهم بلمح البصر. وهو بذلك يرفع لواء حقبةٍ ماديّةٍ حديثةٍ عنيفةٍ قاتلةٍ فتّاكةٍ مجرّدة من الرّوح والإحساس تُبَشِّر بأفول منطق الخير من البشر وهم يتجاورون مع الآلة. لذلك نطرح الاسئلة التالية:
هل نحن على وشك أن نشهد قدوم الوحش الّذي تكلّم عنه سفر الرّؤيا؟ ومن يدري ما إذا كانت الثّورة الرقميّة الجارفة هي التّمهيد والوسيلة لظهور الوحش برؤوسه الثلاثة في نسخته الحديثة: الشّيطان والشّرّ والآلة، وذلك من أجل إسقاط الجنس البشريّ في حبائله وإخضاعه له تمهيدًا للقضاء عليه؟ كيف سيُواجه النّاس، عندئذٍ، هذا المُتسلّط الشّيطانيّ؟
الآلة ليست في أساسها سيّئة ولكن علينا أن نتحكّم بها من خلال الإيمان بالله والخير عوضًا عن الشرّ واستعمال الذّكاء الاصطناعيّ في ما هو مفيد على دروب الرّبّ المُعَبّدة بالخير للإنسانيّة.