تحدّياتٌ جمّةٌ تواجه الطلّاب الثانويّين عند اجتيازِهم عتبات الجامعات والّذين بعضهم تخيّلوا أنّـهم عبروا إلى عالم الحرّيّة واعدين أنفسهم بالمغامرات والتّسلية. يفوت هؤلاء أنّـهم على وشك الانخراط بـمرحلة الاعتماد على الذّات، ولا يدركون أنّـهم قد وصلوا إلى واجهة امتحان ما يتمتّعون به من حسّ المسؤوليّة.
بالفعل، لقد انتظروا طويلاً لحظة إنـهاء مرحلة الدراسة علّهم يحصلون على حرّيّتهم المنشودة بوصولهم للمرحلة الجامعيّة. ولكن شتّان ما بين تفكيرهم وواقع الدّراسة!
وبالتّالي، يجب أن ينتبه الشّباب إلى حقيقة وجوب الاختيار ما بين سلوك طريق الحرّيّة الفعليّة أو تبنّي زيف معتقداتـهم. بمعنى آخر، عليهم معرفة مَن هو الإنسان الحرّ قبل أن يبنوا أحلامًا بعيدة عن الواقع الحقيقي. فإنّ الإنسان الحرّ يعلم واجباته وحقوقه. وكما مِن حقِّه التّعلُّم كذلك من واجبه الإجتهاد.
على سبيل المثال فإنّ التّلميذ الـمجتهد يتوق إلى الوصول إلى نيل أعلى العلامات، علّها تنسيه تعبه وسهره. ونتيجةً لذلك، فإنّ الاجتهاد يحول دون استسلام الجفون للنّعس حتّى يتمكّن صاحبها من إنـهاء دروسه.
ومن جهة، فإنّ الشّباب الّذين يشقّون طريقهم إلى مرحلة الدّراسة الجامعيّة هم أمام مسؤوليّة النّجاح في الاعتماد على النّفس، وإدارة الوقت، واختيار الرّفاق الأصحّاء نفسيًّا وعقليًّا، والتّمييز بين ما هو لخيرهم و ما هو لضررهم. ومن جهة أخرى، لم تَعُدِ الدّراسة محصورة بكتبٍ ضمن حقيبة صغيرة، بل تشـعّبَت مناهل المعرفة بين ما حُفِظَ على رفوف مكتبة الجامعة طولاً وعرضًا، وبين ما توفّر افتراضيًّا. ولذلك ترتّب على كلّ طالب أن يجمع معلوماته من كلّ تلك المصادر الـمُـتاحة ريثما يُعِدّ حقيبته الخاصّة استعدادًا للّمنافسة في الإمتحانات.
فما بالك لو أنّ الطّالب انتقل للعيش في بيت الطّلبة؟ حيث يترتّب عليه الاهتمام بنظافة غرفته والحفاظ على أغراضه، والنّهوض باكرًا للالتحاق بصفّه، بالإضافة لتنظيم وقته ما بين الرّاحة والدّرس. ففي أولى مراحل الدّراسة لا بُدَّ أن يكتشف الطّالب أنّ الوقت هو أقوى عدوٍّ يواجهه ولَـهُوَّ أصعب تحدٍّ عليه اجتيازه.
وخير دليل على ذلك ما حصل مع فادي، حينما قضى اللّيل يدرس مادّة العلوم، ولكن ما استطاع النّهوض باكرًا للّحاق بصفّه، حيث تأخّر خمس دقائق عن بدء الحصّة فاسـتبقاه الأستاذ خارجًا ولم يسمح له بالدّخول. واعتُبِرَ في ذلك اليوم غائبًا. بالرّغم من أنّه لم يكن يلهو، ولكن الوقت لم يرحمه.
كما أنّ المتوجّبات الماليّة تقف سدًّا منيعًا في وجه المتعلّمين أبناء الطّبقة الوسطى من الشّعب. فيتكبّد الأهل تولّي وظيفة إضافيّة علّهم يستطيعون تأمين تسديد ما توجّب عليهم. نظير ما حصل مع صديقتي سوسنّة. فلقد أهانت العاملة في مكتب المساعدات الماليّة في الجامعة، ابنتها المصنّفة ثالثة في طبّ الأسنان، قائلةً: “كيف تجرؤين على اتّخاذ خطوة دخول جامعتنا وأهلك لن يستطيعوا تأمين الأقساط؟” يا للأسف، لقد حطّمت كلّ آمال تلك الفتاة الطّموحة المجتهدة والمتفوّقة.
لقد ذاب النّجاح أمام لهيب الـمال. أين اختفت عروض الـمنح للمجتهدين؟ كيف تلاشَـت تلك التّحفيزات لـخوض اعتلاء أعلى المراتب؟
أضف إلى ذلك، هناك تحدٍّ من نوع آخر يهمّ الطالب المؤمن وحده. ألا وهو واقع التفلّت الأخلاقي بين الطّلاب الجامعيّين. فجُلّ ما يهمّ الطالب المؤمن هو أن يحفظ نفسه بلا خطيّة في وسط جيل جامعي موسوم بالتفلّت بعيدًا عن رقابة الأهل. فما لم يجعل الله متّكَلَه والقداسة هدَفَه لما استطاع أن يكون من “أولاد الطاعة” الذين نصحهم الرّسول بطرس الإبتعاد عن الشهوات والجهالات قائلاً: “كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ”.