هل كان المسيح نبيًّا مرسلاً من الله؟ هذا ما شغل عقول اليهود في أيّامه. سأل يسوع تلاميذه: “مَن يقول النّاس إنّي أنا ابن الانسان؟” فأجابوه: يظنّون فيك أنّك نبيّ! فسألهم: “وأنتُم، مَن تقولون إنّي أنا؟” يومها، أجابه بطرس: “أنتَ هو المسيح ابن الله الحيّ.” فمدَحَه يسوع، وقال له: “إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” ويبقى أن لا أحد يعرف أنّ يسوع المسيح ربّ إلاّ مَن يُعلن له الرّوح القدس ذلك.
ويتساءل المرء، مَن يكون هذا الّذي بشّرت الأنبياء والملائكة بولادته الّتي كانت بتدخّل مباشر من روح الله في أحشاء عذراء، وهو “كلمة الله” الّذي صار بشرًا؟ ومَن هو هذا الّذي “ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ؟” أيكون الّذي ردّ بصر عميٍ، وشفى مرضى كثيرين، وأقام موتى ومشى على وجه المياه، وهدّأ الأمواج وغلب عناصر الطّبيعة وطيّعها لأمره، هو مُجرّد نبيّ؟ وأيّ نبيّ غيره فعل كلّ هذه؟ ومَن، ترى، هو هذا الّذي كثّر الخبز والسّمك وأطعَم الآلاف؟ إنّ أمره عجيب، وهو لا يُمكن أن يكون مجرّد نبيّ. فالنبيّ، أيّ نبيّ، هو مُجرّد إنسان ابن إنسان، وإن كان يُكلّم الله وينقل كلامه للنّاس، إلاّ أنه عاجز عن القيام بما فعله المسيح. ومَن، ترى، يكون هذا الّذي لم يقدر أحد على إيقاعه في الخطأ، أكان هذا شيطانًا أم بشرًا؟ ومَن هو هذا الّذي لم يخضع لنزوات الجسد، ولا أخطأ في لسانه ولا حمل سلاحًا ولا قتل؟ من اللافِت أنّه لم يرتكب خطيّة، وأنّه معصوم عنها. وليس بارّ وقدّوس وصالح لا يُخطئ سوى واحد!
ويتساءل مَن يقرأ تعاليمه في الإنجيل عن سموّ كلامه وسلطانه، حتّى أنّه لم يكن كسائر المعلّمين! أمّا في ما يختصّ بنبوّاته المتعلّقة بآخر الأيّام، فهي فائقة، لكونها تكشف عمّا سيكون عليه المستقبل وكيف سيعود هو ليدين العالم ويحكمه. وكيف لنبيّ أن يدين أرواح البشر، وليس ديّان سوى ذاك الّذي معه أمر النّاس! وغريب أن يدّعي نبيٌّ صفات الألوهة فيقول إنّه “النّور” و”الحياة” و”الحقّ” و”البداية والنّهاية” و”الكائن قبل أن يكون إبراهيم” و”أنّ مَن رآه يكون قد رأى الآب”، وأنّه هو “مُخلّص الهالكين”، من دون أن يكون مُشركًا أو كاذبًا أو مُدّعيًا أو موهومًا! أمّا يسوع فلم يكن أيًّا من هؤلاء، وصِدْقه موصوف ومدعوم بحياته! ومَن، تُرى، يكون هذا الّذي طلب أن يكون هو موضوع إيمان المؤمنين ومحور صلاتهم وركن شهادتهم؟
أمّا أن يذهب إلى الصّليب ليُتمّم النّاموس ويكون هو كبش الفداء الّذي يرفع خطايا العالم، فهو أمر يستدعي أجيال الّذين قدّموا القرابين ليفتكروا فيمن يكون المرموز إليه في ذبائحهم. أمّا قيامته من الموت وظهوره مرارًا وتكرارًا لمئات من تلاميذه، وصعوده أمامهم على الغمام، فهذا أمر يدعو إلى السّؤال عن هوّيّة هذا الّذي يغلب الموت ويصعد إلى السّماء ليجلس على العرش، ويُعطى اسمًا فوق كلّ اسم، ويأتي في آخر الأيّام ليملك كـَ”ملك الملوك وربّ الأرباب”.
فريدٌ هو المسيح، وهو حتمًا أكثر من إنسان وأعظم من نبيّ. ومع أنّ اليهود فهموا جوهر دعوته، إلاّ أنّهم رفضوه وحاكموه كإنسان مُشرِك يدّعي الألوهة، وصلبوه. أمّا مَن عرف حقيقته وأحبّه واحترمه، فقد أعانه روح الله، ليعترف به ربًّا وإلهًا. وعمله هذا هو خير اعتراف، وخير تقدير.