“تمسكن حتّى تتمكّن” مثلٌ شعبيٌّ يصف حال من يتسلّل في المجتمع لينال مبتغاه بدون جهد. أسلوبٌ يحترفه الأطفال في استعطاف الكبار لكي يستدرجوهم لإعطائهم ما يرغبون به. مشهدٌ جميلٌ يـُمتِّع فكر الأهل إذ يربطون أداء الولد بمستوى ذكائه. ولكن إن كان الرّاشد يستخدم الأسلوب عينه، فقد انتقل لمرحلة الخُبث، حيث يتظاهر المرء بحالةٍ مغايرةٍ لما يضمره في تفكيره.
ليس كلّ مَن حاول لعب دور المسكين ينجح، إذ يتطلَّب تكييف مظهره الخارجيّ مع كلامه وطريقة النّطق بما يريد. وبحسب معجم “الغنيّ”، الخبيث يعني “كَثِيرُ الْمَكْرِ، سَيِّءُ الخُلُقِ”، ويعطي “الرّائد” مرادف له “النّجس، الفاسد، الرّديء”. وبالتّالي، الخبث يُعَدُّ من الرّذائل الّتي يجب أن يبتعد الإنسان عنها. وعلى سبيل المثال، سُعاد الّتي اعتادت أن تنال كلّ مبتغاها من أهلها عن طريق التّمسكن. واستمرّت بممارسة أسلوبها بين الأصحاب وزملاء الدّراسة، حيث استمتعَت بالتّنصّل من مواقفَ كثيرة. بمعنى آخر، كانت تؤدّي دور المسكينة كلَّما أحسّت بعجزها الخروج من المشكلة الّتي تواجهها. كما ساعدتها ملامحها النّاعمة للنّجاح بأداء دور الـمُتَمَسكنة أو المستضعَفة. وعندما تجد نفسها غير قادرة على استعطاف الاخرين، تلجأ للبكاء سلاحًا لتشتيت الانتباه عن الفكرة الأساسيّة حول المشكلة، تمامًا كما حصل عندما قلَّبَت زملاءَها في العمل على ربيع، مدير العلاقات العامّة في الشّركة. فحينما كان يطالبها بالالتزام بمبادئ الشّركة، مُذكِّرًا إيّاها أنّه مُعيب وخطأ ترويج مُنتَج مُنافس للشّركة، بدأت تستعطفه بطريقتها المعتادة، ولكن عندما لم تنجح، راحت تبكي متّهمةً ربيع بإهانتها وتجريحها بكلامه.
ثمّ زادت المشهد سوءًا عندما صارت تلطم رأسها بين راحتيها، لكي يراها زملاؤها بهذه الحالة، مستغلّةً الجدران الزّجاجيّة الفاصلة بين المكاتب. وبالفعل، فقد تجمّع زملاؤها حولها، بينما لم تكفّ عن ترداد: “لا أفهم، لماذا يرذلني دائمًا بهذه الطّريقة؟” أمّا ما نسيته سعاد هذه المرّة، فهو وجود كاميرات المراقبة الّتي وثّقت الحدث. لذلك، لم يتفوّه ربيع بأيّ كلمة، بالرّغم من انتهار زملائه له ولومهم واتّهامهم إيّاه بعدم اللّياقة. بل ذهب مباشرةً إلى مكتب داني، الخبير التّقنيّ وهو المسؤول عن حفظ الدّاتا في الشّركة، حيث طلب منه إبراز تسجيل الفيديو فكشف خبث سُعاد. لكن هل ستتغيّر سعاد وتصدُق في حياتها في المستقبل بعد فضح حقيقتها أمام الجميع؟
مشهدٌ ذكّرني بدليلة، وكما يدلّ اسمها على الدّلال، فقد استغلَّت حبّ شمشون لها، فتدلّلت واحتالت عليه بدهاءٍ لكي يخبرها بسرّ قوّته، فبكت أمامه مرارًا وتكرارًا، وعندما لم يبُح لها بالسّرّ اتّهمته بأنّه لا يحبّها. في حين أنّها من جهةٍ أخرى، كانت تريد معرفة السّرّ لكي تسلّمه لأعدائه فيأسرونه وتنال هي المكافأة الماليّة. غير أنّه، ويا للأسف، لم يستطع كشف مكيدتها بالرّغم من كونه قاضيًا آنذاك. وفي النّهاية، نجح مُخطّطها وأوقعت بشمشون وأسلمته لأعدائه وأذلّته. وربَّ سائلٍ، كيف يُمكن لحبيبةٍ أن تخدع حبيبها وتذلّه؟ لربمّا السّؤال هو: هل كانت مُخلِصة بحبّها له منذ البداية أم أنّها تظاهرت بحبّها له لتوقع به؟”
بناءً على ما تقدَّم، الخبيث مجبولٌ بالرّياء والمكر. ولا يحمل المحبّة والخير في قلبه لأحد، بل يُسَرُّ بسحقِ مَن يصنّفه كندٍّ له. لذا لا يصلح العيش أو حتّى التّعايش معه ولا التّواجُد في محضره. فيا لتعاسة مَن يعمي عينيه عن هذه الحقيقة!