كان جارنا رجلاً في الثمانين من عمره، موسوعة للأخبار والنوادر والأحاجي والقصص الشعبيّة. شكّل بحقّ ذاكرة القرية إذ حفظ تواريخ الاحداث التي شهدتها منذ كان طفلاً، ناهيك بما يذكره عن الولادات والوفيّات وسلسلة النسب بين عائلاتها. أخذت أزوره باستمرار لأستمع إلى حديثه المليء بالطرافة والظرافة، فيزوّدني في كلّ مرة بأحجية طالبًا منّي الحلّ في الزيارة المقبلة.
كثيرًا ما ردّد على مسامعي قولاً شعبيًّا مأثورًا: “اللي خِلِق عِلِق”. ويعني أنّ كلّ من ولد في هذه الحياة وقع في فخّ الصعوبات والمشاكل والهموم. وكأنّي به يستعير من أيوب قوله الشهير: ” ولكنّ الإنسان مولود للمشقّة”. ( أيوب 5 :7).
لكنّ كلمة الله تطلب منا أن نكون “بلا همّ”. وفي هذا طلب يستحيل على الكثيرين. وهل يمكن الإنسان أن يكون بلا همّ؟ والهموم كثيرة والصعاب كبيرة فكيف لا يهتمّ؟ عندما يطلب منّا الكتاب المقدّس أن نكون بلا همّ فإنّه لا يطلب منّا ألاّ نبالي أو أن نطمر رأسنا في التراب كالنعامة. بل لأن الهمّ والقلق هما ضدّ الإيمان. ويتحولان أحيانًا إلى ما يشبه الإدمان الذي يتحتّم الشفاء منه.
يتكلّم الرّب يسوع في إنجيل متى (6 : 25 – 32) عن الطعام واللباس، وعن الطيور والزنابق، ويضرب على الوتر الحساس الذي هو ميلنا إلى تركيز حياتنا على هذه النواحي الماديّة فتفقد بذلك المعنى الحقيقيّ للحياة. قال أحدهم: “القلق مثل الكرسي الهزّاز يعطينا شيئًا نفعله لكنّه لا يوصلنا إلى أيّ مكان”. القلق من المستقبل خطيئة لأنّ فيه تنكّر لمحبة الله ولحكمته وقوّته. وهو يشكّ ضمنًا بعناية الله بأولاده ويحوي تلميحًا إلى أنّ الله غير قادر على تأمين احتياجاتنا.
هل يمكننا أن نتحرّر من القلق؟ يسوع يقول لي لا تهتمّ لحياتك. توقّف عن القلق حول البقاء. ضع جانبًا القلق في شأن ضرورات الحياة اليوميّة. ألم يلبِّ الله احتياجاتك من الطعام واللباس؟ فالله يُقيت الطيور مع أنّها لا تزرع ولا تحصد وكذلك الأزهار يُلبِسَها مع أنّها لا تتعب ولا تغزل. ونحن، بما لا يُقاس، أفضل من الطيور والأزهار في نظر الله. لذلك نتوقّع أن يهتم الله باحتياجاتنا من دون أن يعفينا هذا من العمل على توفير الاحتياجات، فمن “لا يشتغل لا يأكل”، كما يقول بولس الرسول. والله يُبارك أعمال أيدينا ويفيض علينا من حيث لا ندري.
لنثق في وعد الرب القائل:” لأنّ أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها”. الآب السماوي يعلم. يا لها من كلمات معزّية. نحن نقلق ونهتمّ بينما الآب السماوي يعمل ويرتّب كلّ الأشياء معًا لخير الذين يحبّونه. القلق يدمّر شهادة الأيمان، وهو تعب للأعصاب ومضيعة للوقت الجميل.
خطة الله لنا هي حياة بلا قلق وبلا هموم.فارفضْ أن تحمل أثقال الغد قبل مجيئها. إستبدل القلق بأفكار إيجابيّة كسلطان الله ومحبته ونعمته. يقول بولس في الرسالة إلى فيلبي: “لا تهتمّوا بشيء بل في كلّ شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر… وسلام الله الذي يفوق كلّ عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع”. ليت الرّب يعطينا أن نحيا ملقين كلّ همّنا عليه لأنه هو يعتني بنا.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.
اختيارات المحرر
حياة بلا هموم
هل يمكننا أن نتحرّر من القلق؟ يسوع يقول لي لا تهتمّ لحياتك. توقّف عن القلق حول البقاء. ضع جانبًا القلق في شأن ضرورات الحياة اليوميّة. "القلق مثل الكرسي الهزّاز يعطينا شيئًا نفعله لكنّه لا يوصلنا إلى أيّ مكان". القلق من المستقبل خطيئة لأنّ فيه تنكّر لمحبة الله ولحكمته وقوّته. وهو يشكّ ضمنًا بعناية الله بأولاده ويحوي تلميحًا إلى أنّ الله غير قادر على تأمين احتياجاتنا.
شاركها.
فيسبوك
تويتر
لينكدإن
البريد الإلكتروني
واتساب
السابقالإعلان الميلاديّ الأقوى