عُرّف القمح والخبز بالتّوأم؛ منذ حوالي 2700 سنة ق.م أي على زمن المصريّين القدماء، الّذين صنعوا من الحِنطةِ خبزاً، وطوّروا أفراناً خاصّة لتحضيرِهِ وإنتاجِهِ، ليُصبحَ فيما بعد الغذاءَ الأساسيِّ لكثيرين مِن شعوبِ الأرضِ اّلذين أدخلوه في صناعاتِهم البيتيّة. بعد تطوّر الشّعوب، خرجت حبّة القمح الصغيرة من نوافذ المطابخ الضيّقة لتدخل أروقة السّياسة والاقتصاد العالميّين، ومجالِ المضارباتِ والصّفقاتِ الّتي تتحكّمُ في إرادةِ الشّعوبِ ِوقراراتِ الأمم “حيثُ من لا يملك طعامَهُ، لا يملكَ قرارَه”.
وأضحت حبّة الحِنطة أمثولةً شعبيّةً يتداولها العامّة: “أعطِ خبزك للخبّاز ولو أكل نصفو”. ممّا يدلّ على تأثير الخبز في حياة الشّعوب وثقافتهم، وليتحوّل إلى قيمة ذات أبعادٍ إجتماعيةٍ تنمّ عن أواصر القربى والعلاقاتِ ليصير الخبز عَيشاً والحياة بدونه لا تستقيم.
فهل بالخبز وحدَهُ يحيا الإنسان؟
نعم. الإنسان يحتاجُ إلى غذاءٍ مادّيٍّ ومعنويٍّ لحياته. غذاءٌ يُنَمّي البدنَ، ويمنحُ الطّاقةَ وآخر يُغذّي الرّوح. وتحقيق التوازنِ بين إشباع الرّوحِ وإشباع الجسدِ، يؤدّي إلى بنيان شَخصيّةِ الإنسانِ وتغذيتهِ روحيًّا، فكريًّا، ووجدانيًّا، ويَقي المجتمَعَ من أعراضٍ مَرَضِيةٍ قد تهدّدُ سلامَتُه وأمنَهُ، وتعرقلُ مَسيرتَهُ إلى الأمام.
يعلّمَنا الرّبُ يسوع أنّ الحصولَ على الخبزِ ليس أهمّ شيء في الحياة، بل العمل بكلّ كلمةٍ تخرجُ من فَمِ الله هو الأهمّ. (متى 4:4؛ يوحنا 34:4).
وتجدر الإشارة في هذا السّياق إلى أنّ بني إسرائيل في العهد القديم لم يحيوا في البرّية بالخبزِ المعتادِ الّذي حصلوا عليه بجهدهم؛ بل بـ “المنّ” الّذي أنزله لهم الله من السّماء. والرّبّ نفسه، عندما اتّخذ طبيعتنا البشريّة، إرتضى مشاركة البشر في احتمال إحتياجاتهم؛ ولم يخضع للمُجرّب ليُحوّل الحجارةِ إلى خبز، وهو القادر على صنع هذه العجيبة، بل أظهر التزامه بأنّ كلّ كلمةٍ تخرج من فم الرّبّ أثمن من أيّ طعام جسديّ. هل لخبز كلمة الله مكان على مائدتنا اليوميّة؟