من المهم جداً أن نعرف ما بنا. اعرف نفسك واعرف ما بك. أَحسِن وصف ما تعانيه وأحسن اختيار الطبيب. أحياناً نختار من يعجز عن مساعدتنا. وعلى قدر ما هو مهم أن نحسن اختيار الطبيب، نحتاج أن نُخبره كلّ ما بنا. فهذا يُساعده على التشخيص ووصف العلاج المناسب. لكن بعض الناس لا يبحثون في مشكلتهم ولا يعترفون بواقعهم ولا يطلبون المساعدة.
ذات يوم جاؤوا بمفلوج إلى يسوع يطلبون منه أن يشفيه. والفالج هو مرض يصيب الدماغ فيُسبّب للإنسان شللاً نصفيّاً فيُعوّقه. والمفلوج يحتاج لعناية شخصية كبيرة. فهو إنسان مُقيّد ويتعذّب كثيراً ويطول عذابه لسنوات. جاؤوا بالمفلوج إلى يسوع الذي عُرِف عنه مقدرته على شفاء “جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة، والمجانين والمصروعين والمفلوجين”.
تكثر الأمراض في أيامنا على الرغم من تقدّم علوم الطب والغذاء. والمرضى يبحثون عن الشفاء في أي مكان، وبعضهم يذهب إلى يسوع. وهنا أصدقاء المفلوج يأتون به إلى يسوع ليشفيه، وخير ما فعلوا، “فالأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب بل المرضى”. لكن ما فاجأهم يومها هو أن يسوع قال لمريضهم: “ثق يا بُني. مغفورة لك خطاياك” (مت 9: 2).
ونتساءل، لماذا لم يشفه يسوع أولاً؟ تُظهر لنا تلك الحادثة اختلاف الأولويات بيننا وبين يسوع. ففي الوقت الذي نحن نريد شفاء أحوالنا مما يفلجها جسدياً ونفسياً واجتماعياً ومادياً، نرى أن يسوع جاء ليشفينا أولاً من خطايانا! وهذا بيت القصيد بالمسيحية. فالمسيحية ليست ديانة طلبات للشفاء والإحتياجات، على أهميتها، بل هي أولاً ديانة غفران الخطايا. غفران الخطايا هو حاجة الإنسان القصوى، طالما أن الخطية هي مشكلته الأكبر والأخطر.
وعندما سمع الكتبة يسوع يقول للمفلوج: “مغفورة لك خطاياك” اعترضوا واعتبروه مجدّفاً إذ “من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟” (مر 2: 7). من الواضح أنهم لم يعرفوا من يكون يسوع. وكل ما رأوه فيه هو أنه رجل “عجائبي” يخدم المعذبين. أما يسوع فأراد أن يُعلن لهم حقيقته التي لم يعرفوها. فهو الله غافر الخطايا الذي قال في القديم: “أنا أنا هو الماحي ذنوبَك لأجل نفسي، وخطاياك لا أذكرها” (أش 43: 25).
و يسوع ليؤكّد لهم قدرته على غفران الخطايا، عاد وقال للمفلوج “قم وأمش”. نعم المسيح شفاه فعلياً وبالكامل. وعجيبة الشفاء كانت برهاناً لحقيقتين: الأولى، قدرة يسوع على غفران الخطايا، والثانية كونه الله القدير والشافي. المسيح يغفر الخطايا ويعمل العجيبة ليؤكد ذلك. وحده المسيح قادر أن يقول: “قم وأمش”. لا يخيب من آمن بيسوع. قال بطرس عند شفاء الأعرج عند باب الهيكل: “وبالإيمان باسمه، شدّد اسمُه هذا الذي تنظرونه وتعرفونه، والإيمان الذي بواسطته أعطاه هذه الصحة أمام جميعكم” (أع 3: 16).
لا يمكن لمن لمسته نعمة المسيح أن يبقى حيث هو مُقيدّاً وأسيراً لماضٍ مرير ولحاضر مؤلم. عندما سمع المفلوج يسوع يقول له: “قم وامش” عرف أنه أُطلِق إلى الحرية لا بل أُطلِق إلى الحياة. لقد أعطاه يسوع الخروج من الورطة والألم والقيود والبؤس. هل نقدر أن نتخيّل كيف قام المفلوج من فراشه تلك اللحظة؟ قد نكون بحاجة للإختبار عينه، لنتحرر من فالجنا الروحي والأخلاقي المتمكّن منا. وقتها فقط نستطيع أن نُرنّم “انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخّ الصيّادين. الفخّ انكسر، ونحن انفلتنا. عوننا باسم الرّب، الصانع السماوات والأرض” (مز 124: 7-8).