يختار الكثير من المؤمنين طريقة تفكير ومحادثة معروفة باسم خطاب “التَّقويِّين”. يعزو هؤلاء الأصدقاء باستمرار مختلف الأحداث اليوميّة لتدخّل الرّبّ الخاص والمباشر، كما لو كانت حياتهم مليئة بالمعجزات الصغيرة. يعتقدون أن أسلوب حديثهم “روحيّ”، وأن هذا ما يريد الرّبّ أن يراه في شعبه. غير أنّه كثيرًا ما يؤدي إلى شكل من أشكال “الخرافات” الروحيّة التي يبرّر المؤمنون من خلالها ما يظنّونه تدخّلات الرّبّ أو إشارات لإرشاده.
مُعجزات لا تتوقَّف
تُسمِّم ذهن البعض فكرة أن الله يصنع باستمرار معجزات مباشرة في حياتهم، ممّا يجعلهم يظنّون أنفسهم مؤمنين خارقين يفهمون فكر الرّبّ. فيقودهم خيالهم الذي “يشعر بإرشاد الله” إلى فعل كذا وكذا، أو للقول: “قال لي الرّبّ هذا الصباح كذا وكذا”، أو “الرّبّ يريدني أن أقول لك التالي…”
الجدير ذكره أنه عندما يعتاد المؤمنون على التفكير والتحدّث بهذا الشكل، يركّزون بشكل رئيسي على أشياء صغيرة جدًّا، أو على أحداث شخصيّة بالكامل، وليس على أمور كبيرة. وعلاوةً على ذلك، عادةً ما تكون أمورًا أرضيّة وليست روحيّة، وأهم ما يرُكِّزون عليه هو أن الرّبّ غالبًا ما يجعلهم يمرّون بأحداث سعيدة، وليس صعبة، أو مؤلمة. فقد سمعنا أشخاصًا يقولون: “أرسل لي الرّبّ حافلة تقلّني هذا الصباح.” وعند الاحتياج الكبير واستجابةً للصلاة، يمكن للرّبّ أن يتدخل بكل لطف لمساعدة شعبه، لكنه يدرّبنا أيضًا على احتمال المشقات من خلال نعمته الرائعة.
إجتزاء واضح للحقيقة
قبل سنوات عديدة، قالت سيدة مؤمنة تصنع المربّى لي: “كان الرّبّ رائعًا معي هذا الصباح! فقد منع المربّى من الغلي بينما كنتُ في الخارج”. وفي مناسبة أخرى قال أحدهم: “لقد أشرقت الشمس اليوم وذلك عندما أرسلتُ معطفي للتنظيف. يا له من أمر رائع! لا بدّ أن الرّبّ أَمَرَ الشمس بأن تشرق خصيصًا لي اليوم “.
نكرّر: إن الله بالتأكيد يتدخّل في حياة شعبه، عن طريق الصلاة، لمساعدتنا في نواحٍ عديدة، وكثيرًا ما ندرك أننا أنجزنا أمورًا ما كنّا أبدًا لنحلم بإنجازها بقدرتنا أو قوتنا الخاصة. أَيُّ مؤمن لم يختبر تذكّر بعض المسؤوليات المهمّة في اللحظات الحرجة؟ كنّا على يقين بأن الرّبّ ذكرنا بها، ونرفع له الشكر والمجد على ذلك. ولكن يجب ألّا ننسى أن كل ما يحدث لنا هو ضمن مشيئته وبسماح منه، سواء كان كبيرًا أم صغيرًا، جيدًا أم لم يعجبنا.
جميع الأحداث
إن الله كليّ السيادة، ولا شيء يحدث لنا إلا بموافقته وإشرافه، كما نرى في الفصول الأولى من سفر أيوب. يجب ألا ننجرف لفكرة أن الأشياء الصغيرة فقط، والدنيويّة والصالحة هي أمثلة تُظهِر عنايته بنا. لماذا ينبغي بنا أن نخص بالذّكر المفاجآت والصدف السعيدة في الحياة ونعتبرها أمثلة لعمل الله في حياتنا؟ لماذا لا نتحدث عن الأيام التي لم يحدث فيها شيء رائع، أو عن أوقات المرض والفشل؟ ألم يكن الله يومها يعمل فينا ومن أجلنا أيضًا؟ أليس هناك قصد وتدبير لكلّ ما يحدث لأولاد الله؟
تدريب ضروري
تخبرنا كلمات بولس الرسول الشهيرة: “ونَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ.” ولتحقيق ذلك يسمح لنا الرّبّ، إلى جانب بركاته، أن نتعرّض لتجارب الحياة، ومتاعبها وأحزانها، وضيقها، وأمراضها وسقطاتها، سواء كان ذلك بسببنا، أو بسبب الشيطان، أو الظروف الطبيعية. باختبارنا الملزم لهذه المشاكل والصعوبات، ينسج الرّبّ معًا كلّ خيوط تجارب الحياة، ويستخدمها للتأديب، والتعضيد والتدريب. باختصار، لتعمل معًا لخيرنا الروحي الأبدي. من خلال التجارب، يوبّخنا الرّبّ على خطية ما، أو يدرّبنا ويطوّر مرونتنا وشخصيّتنا لتتناسب مع بعض الخدمات المستقبليّة.
خِدع مُغرية
قبل أن ننسب بتسرّع كل وسائل الراحة لله، علينا أن نتذكر أنه يمكن للشيطان أيضًا أن يجلب “الخير” لحياتنا (بسماح من الرّبّ)، كما عندما يحاول أن يصرفنا عن خدمة الرّبّ عبر إغرائنا بوسائل راحة ومصالح ومدح، وفرص أرضيّة عظيمة. قد يرتّب الشيطان أيضًا لنا هدايا، ومفاجآت سارّة، أو وسائل راحة من أجل إغرائنا بصداقات دنيويّة، وتحالفات أو وظائف. والشيطان، بحسب ما ورد عنه في الكتاب المقدّس، يستخدم الإحتيال والمكر والتملّق والكلام المقنع كأداوت رئيسيّة في الهجوم على روح المؤمن لإيقاعه بالخطايا والعصيان.
إختبارات الرسول بولس
يقول لنا الرسول بولس إن قوة الله ونعمته حلّت عليه عندما كان ضعيفًا. ويخبرنا عن شوكة مرض في جسده سمح الله بها ليغلب فخره بسبب فرط الإعلانات المعطاة له، لذلك استنتج قائلًا “فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. لِذَلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاِضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ”. (2 كو 12: 9 – 10).
ويصف الرسول بولس الإضطهادات التي تعرّض لها. فيذكر أنّه تعرّض للضرب والرجم والسجن عدد من المرّات. وغرق ثلاث مرات، وعانى من الخطر والغدر، والإرهاق، والسهر، والألم، والجوع الشديد، والعطش، والبرد ، والعري. لم يتجنّب أيًّا من هذه التجارب، لذلك تتعارض قصة حياته تمامًا مع الروايات التي لا تنتهي، عن الرّاحة المنعم بها التي يتحدث البعض عنها بحماس.
التواضع حاجة دائمة
يجب أن نكون حذرين للغاية في ما نقوله للآخرين، إذ يجب أن تقودنا دلائل وجود الله في حياتنا إلى التواضع وليس إلى الفخر والتمسك بالمجد الباطل. إذا تعلَّق الأمر بالحصول على نِعَم أو رفاهية أقل، نشكر الله في جميع الأحوال، حتى ولو لم ندرك ما إذا كانت مجرد مسار طبيعي للأحداث، أو بتدبير مباشر من الرّبّ.
باختصار، إن الحديث المستمر عن تدخلات الرّبّ المباشرة في جميع المسائل الصغيرة في حياتنا يؤدي في الكثير من الأحيان إلى افتراض واثق جدًّا بأن الله وراء كل شيء نفكر به أو نفعله، ومن ثم يقود إلى الاستخفاف بضرورة التواضع وامتحان النفس قبل طلب الإرشاد. هذا الأسلوب في الحديث الذي يبدو روحيًّا جدًّا، كثيرًا ما يقودنا أيضًا، إلى الاهتمام أكثر بالجوانب الشخصيّة وبالظواهر الماديّة من نحو مسائل رئيسيّة كالقداسة والطاعة والخدمة.